العشة الجازانية شاهدة على عصر البساطة

رغم تعاقب الأجيال ومرور الوقت، وانشغال الناس بالعصر الحديث وما طغى عليه من تكنولوجيا في فن العمارة الحديثة، ظلت ما تعرف في جازان بـ»العشة» صامدة ومتواجدة بعنفوانها وكبريائها، حتى وإن لم يسكنها أحد، رمزا لتاريخ طويل.

u0627u0644u0642u0639u0627u062fu0629 u0645u0632u064au0646u0629 u0628u0627u0644u0641u0644 u0648u0627u0644u0632u0647u0648u0631

رغم تعاقب الأجيال ومرور الوقت، وانشغال الناس بالعصر الحديث وما طغى عليه من تكنولوجيا في فن العمارة الحديثة، ظلت ما تعرف في جازان بـ»العشة» صامدة ومتواجدة بعنفوانها وكبريائها، حتى وإن لم يسكنها أحد، رمزا لتاريخ طويل. وعلى مدى قرون طويلة، لم تستطع ناطحات السحاب والأبراج العالية محوها من قاموس فن العمارة الجازانية القديم، بما تملكه من مكوناتها البسيطة التي تعتمد عليها في بنائها، متزينة بما تحتويه من مكونات طغى عليها الجانب الجمالي البسيط، حيث يعد البيت الجازاني أو التهامي «العشة» من الموروثات الشعبية بين كثير من الموروثات جمالا وبساطة، فما زالت تقاوم الأدوات الحديثة لتبقى شاهدة عصرها على بساطة أهل تلك الحقبة من الزمن.

بداية الظهور

لا أحد يعرف بالضبط متى بدأ بناء العشة تاريخيا في منطقة جازان، بينما التصميم الخارجي للبناء حكر على أبناء المنطقة وتهامة، رغم وجود من يزعم أن العشة مستوحاة من القرن الأفريقي، وأن فكرة بنائها انتقلت عبر القادمين من أفريقيا، واستدلوا بذلك على شكلها المخروطي، إلا أن ذلك ليس دليلا كافيا على أن التصميم أفريقي، وقد يكون السبب في تشابه البنيان الأجواء المناخية. وتفنن أهالي المنطقة في بناء منزلهم الشعبي، واستفادوا من البيئة المحلية المحيطة بهم، وأحسنوا استثمارها في بناء منزل يحميهم من البرد والحــر والأمطار والرياح، إذ تمتاز العشة ببرودتها في فصل الصيف، لاحتــوائها على بابين متقابلين، بينما تكون دافئة في فصل الشتاء، وهذا يدل على حسن تدبير الأهـــالي في تلك الحــقبة من الزمن، ومعـرفتهم لتقلب المناخ وحسن التعامل مــعه بما يقتضيه الموقف.

طريقة البناء

تؤخذ مكونات البيت الشعبي القديم في جازان من البيئة، مثل شجرة الأثل الكبيرة التي تسمى «الجريد» وأعواد شجر المض النحيف، وأعواد شجر الثمام، كما يتم استخدام الحشائش المعروفة بالأجليل أو الثمام، لتغطية جسم العشة من الخارج، ولتخفيف حرارة الشمس القوية في فصل الصيف. بعد ذلك، يتم تثبيت الجسم بالحبال المصنوعة من الحلفا، حيث تسهم في شد العشة وإحكامها، أما رأس العشة الذي يسمى «القرعينة»، تؤخذ من شجر السدر أو الظر، وهي من الأشجار المعمرة، وتبقى لفترة طويلة من الزمن، ويتم ربط الحشيش والجريد والمض في رأس العشة، ولا يسقط رأس العشة إلا بسقوط البناء نفسه.

مدة البناء

يستمر بناء العشة عدة أيام، بحسب الحجم والمساحة وبحسب الظروف المعيشية لصاحبها، ويردد البناؤون أثناء عملهم الأهازيج الشعبية التي تساعدهم على قضاء عملهم بانشراح صدر، وقد يتفنن البناء في زخرفة العشة وطليها بالنورة البيضاء أو الجبس، لإعطائها مزيدا من القوة والمتانة وإكسابها طابعا جماليا، إلا أن الغالبية كانوا يطلونها بروث البقر دون استخدام شيء من النورة أو الجبس، لندرته وقلة ذات اليد في ذلك الوقت، نظرا لصعوبة الحياة، وبعد الانتهاء يعد صاحب البيت وجبة طعام بهذه المناسبة، وتسمى «ظيفة».

الشكل المخروطي

تمتاز العشة بشكلها المخروطي، حيث استخدم الرجل القديم في جازان هذا النوع من الأشكال في المباني النباتية، علما أنه لم يدرس هندسة العمارة الحديثة أو فن الديكور أو أنواع الأشكال الهندسية، لكنه اكتسبها بفطرته، حيث إن الشكل المخروطي للعشة يساعدها على تحمل الأمطار التي تهطل بغزارة على المنطقة. كما يمنع شكل البناء المخروطي تجمع المياه الناتجة عن الأمطار، حيث تقوم الحشائش والجريد بحمايتها من المياه، فلا تسمح بتسربها إلى الداخل. وقد توصل الرجل الجازاني إلى هذا النوع من البناء، الذي يتناسب مع حالته وحياته، وبما يتوافق مع ظروفه المعيشية البسيطة في ذلك الوقت من الزمن، وللشكل المخروطي مميزات عدة منها توفير التهوية الجيدة في الصيف، وتوفير الدفء في الشتاء، وحماية الأسرة من الأمطار والظروف المناخية الأخرى.

معزوفات جازانية

وتمتلك ربة البيت الجازانية غريزة الفن والإبداع الفطري داخلها، حيث دأبت على تزيين العشة من الداخل بالنقوش والرسوم الملونة، وتعليق بعض الأواني القديمة في صدر وزوايا البيت، وغالبا ما تكون من المشغولات الفخارية مثل «الجبنة» وهي ما تعرف بالدلة في وقتنا الحاضر، إضافة إلى تعليق المصلة وهي ما تعرف في الوقت الحاضر بالسجادة، والمصرفة والمروحة والزنبيل، وتظل تلك الأطباق تزين العشة، فإذا هبت نسمة هواء تصدر تلك الأطباق أصواتا وترانيم أشبه بمعزوفات «بيتهوفن» على الطريقة الجازانية البسيطة.

ملحقات العشة الجازانية

- العرسة: أرضية البيت من الداخل، وتصنع من روث البقر بعد خلطه مع الطين. - مركب: موقد صغير داخل البيت لإعداد القهوة وبعض الأكلات الخفيفة. - مردام: زلفة الباب، ومن فوائدها منع الماء من الدخول إلى وسط العشة وقت الأمطار. - سقاطي: حبل يتدلى من سقف العشة ويثبت في أسفلها. - الطراحة: المساحة الموجودة أمام البيت من الخارج. - الأبواب: بابان لكل عشة، ومن النادر أن يكون هناك باب واحد فقط، ويسمى الباب الرئيس كابة والثاني عقاب. - داعر: جدار يفصل بين البابين، وحال قدوم الضيوف يفصل بين الرجال والنساء. - سجف: السور الخارجي للمنزل، وغالبا ما يتكون من الشوك، لمنع اللصوص والحيوانات المفترسة من اقتحامه. - سهوة: بناء دائري وأحــــيانا مربع، لا يوضـع له ساتر، وهو للقيلولة وقت الظهيرة. - خدروش: بناء يشبه العشة في الشكل لكنه صغير، وفي الغالب يستخدم مخزنا للحبوب والطبخ. - قرعينة: ما يثبت في رأس العشة.