تفاعل

مقطع أم نايف وخطورة هيمنة التصوير

ناصر عليان الخياري
مقطع قصير جدا انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، البطل امرأة من الأسر المنتجة، وفي رواية الضحية هي «أم نايف»، الكل يشخص الحدث من زاويته، هناك من يراها مذنبة، تستحق العقوبة الرادعة، فهلل واستبشر حين قامت اللجنة المنظمة بإزالة موقعها الذي تبيع من خلاله أنواعا من الأطعمة، في المقابل هناك من يراها ضحية، وأن الكلمات التي أطلقتها هي كلمات عفوية تقع في نطاق الطرفة، أو ما يتعارف عليه محليا بـ(الطقطقة)، وهي لا تخرج عن هذا السياق بأي حال من الأحوال، مما يجعلها كلمات عادية، لا تستحق هذه العقوبة القاسية التي اقتلعت موقعها وحرمتها اكتساب رزقها.

كيف يحكم على الإنسان بحكم قاس صارم لمجرد تداول مقطع قصير جدا بصورة مجتزأة لا تمثل الموقف الكامل؟ تباينت الآراء في تويتر، إلا أن المثير حقا هو إنشاء وسم بعنوان «ادعموا أم نايف» بلغ الترند، وشارك فيه العديد من المغردين، وتبنوا خط الدفاع عنها، والدعوة لدعمها بصفتها من الأسر المنتجة، وأن ما حدث لها تجن لا يليق.

منطلق هذا المقال هو خطورة هيمنة التصوير على المجتمع، وتوظيفه كأداة لملاحقة الآخرين، وتصيد المواقف، واجتزائها بطريقة أو بأخرى، ثم إعادة النشر بغية الإضرار بطرف ما عبر إثارة الرأي العام وتأجيج المجتمع. فحادثة أم نايف لو لم يتم تصويرها بطريقة استغلت اللحظة السريعة والموقف العابر، ثم تعمد نشرها بطريقة إيحائية، لمر الموقف بسلام مثل عشرات المواقف العابرة في الحياة.

ليبقى السؤال ما هي حدود المسموح به للكاميرا وللنشر في وسائل التواصل الاجتماعي؟ أين الضمير الحي الذي يتجنب تصوير الآخرين في مواقف لا تحتمل التصوير ولا يليق مطلقا نشرها؟ كهذا الذي صور المصابين في (حادث المدينة) وهم يحتضرون ودماؤهم تسيل!

بأي عقل وبأي إنسانية تقبل نفسه الإقدام على مثل هذا التصرف المشين؟ متى يكون اللجوء إلى الكاميرا محمودا ومتى يكون النشر بوسائل التواصل الاجتماعي واجبا وطنيا؟ أليس بوسع البعض التصرف بنظامية وعقلانية دون إثارة الرأي العام وتأجيج المجتمع، وربما الإضرار بأبرياء عند النشر؟

أليس بوسعهم تقديم بلاغ للجهات الرسمية بدلا من فوضى التصوير والنشر، طالما أن هدفهم خدمة المجتمع ومحاسبة المخالف؟ وهنا نسجل الشكر والإعجاب والتقدير لإمارة مكة المكرمة في تعاملها مع ما أثير عن بعض التجاوزات السلوكية في أحد منتجعات جدة، حيث تم التوجيه بالتحقيق للتأكد من حدوث ذلك فعلا، والنظر للحدث بكامل أركانه، ثم محاسبة المتجاوزين ومعالجة الخلل والقصور الذي تسبب بذلك، دون الاندفاع وراء ضجيج وسائل التواصل الاجتماعي.