في الغرب: "ديمقراطيّون" وفي العرب: "ديمقراديّون"
هي نقطةٌ، ما إن تتمكّن من وضعها على عين «العربي» حتى يستحيل قبالتك «غربيّا»، غير أنه يأبى حينذاك إلا أن يتمتع بلسانه العربيّ المبين، إذ لا يلبث أن يستنكف الرطانة بـ»الأعجميّة»! على الرغم من أنه كثيرا ما يستأنف صبحه بقول المتنبي: مَغَاني الشِّعْبِ طِيبا في المَغَاني بمَنْزِلَةِ الرّبيعِ منَ الزّمَانِ
الأربعاء / 28 / ربيع الأول / 1435 هـ - 16:00 - الأربعاء 29 يناير 2014 16:00
هي نقطةٌ، ما إن تتمكّن من وضعها على عين «العربي» حتى يستحيل قبالتك «غربيّا»، غير أنه يأبى حينذاك إلا أن يتمتع بلسانه العربيّ المبين، إذ لا يلبث أن يستنكف الرطانة بـ»الأعجميّة»! على الرغم من أنه كثيرا ما يستأنف صبحه بقول المتنبي: مَغَاني الشِّعْبِ طِيبا في المَغَاني بمَنْزِلَةِ الرّبيعِ منَ الزّمَانِ وَلَكِنّ الفَتى العَرَبيّ فِيهَاغَرِيبُ الوَجْهِ وَاليَدِ وَاللّسَانِ يظهر أنّ المتنبي، لم يبتعد كثيرا - في تنبئه- عن الحال التي سيؤول إليها ما سمي بـ»الربيع العربي»!وعلى أيّ حال، فلنعد ثانية إلى لعبة النقط، تلك التي لم تسلم من عبثيتها حتى هذه الأخيرة، بحيث يمكنك أن تجعل منها «لعنة النفط» طالما أنّ الأمر لا يعدو أن يكون عبثا بدوال «التنقيط»، في زمن لم تفلح فيه سوى رايات «المناديل» المشدودة على وسط مكتنز باللحم، ليس له من شغل غير الهزّ والنّز!ولئن يستنبط أحدنا نسقا -أو مشغولا فلسفيّا- بالاعتماد على لعبة «الكلمات/ وعبث استبدال النقط» فإنّه بهذا إنما يجترح أجمل مغامرة، يمكن من خلالها أن يتجرأ، ليخلط ما بين السمّ والترياق، وما بين الوجه والقناع، دون أن يلحظ الآخرون الخط -الدقيق- الفاصل بين الحقيقة والصورة!إلى ذلك، أمكنَ القول بأنّ الحيلة هي «الديمقراطيّة»، بينما «الديمقراديّة» هي الخديعة وما بينهما يكمن مكر «السّاسة» المتماهي عبثا، فيما بين التبعثر والانتظام!وإذا ما ابتغيت أن تبدو صورة المقاربة أكثر وضوحا فاقرأ -بشيء من التأمل- هذه المجملات: *الديمقراطي: حيوانٌ أليف يجد نفسه في «المرعى» على حدّ سواء مع بقية «الحيوانات»، في محميّات حافظة للحريات، إذ تدفعها باتجاه تكافؤ الفرص، وما من واحد فيها، إلا وهو يبتغي المنفعة الضاربة في الخير العام *الديمقرادي: حيوان مفترس دقيق يمتص الدماء، وينتمي إلى العناكب والعقارب و(القرادة ويقال محليا لها القراد - وهي لمن لا يعرف بيضوية الشكل - وهي طفيلية) وأسهبت المراجع -العلمية- في توصيف: «القراد» أنقل هاهنا ما يتناسب وموضوعنا حيث جاء فيها ما يلي: « وأنها تعيش على الحيوانات الأخرى إذ يسبب القراد أمراضا متعددة للإنسان والحيوانات الأليفة وكثيرا ما يحمل القراد جراثيم أمراض معينة في أجسامه، وينقل هذه الجراثيم إلى دم ضحاياه وأحيانا تكون لدغات القراد سامة، وقد ظهرت حالات من الشلل أعقبت لدغاتها، وفي العادة تشفى الضحية بسرعة بمجرد نزع القرادة ويشبه القراد الحشرات إلى حد ما، ولكنه ليس حشرة ويمكن رؤية معظم أنواع القراد من غير مجهر ويعيش القراد على سوائل الحيوانات فقط يوجد ما يقرب من 800 نوع من القراد ونجد لبعضها أسماء خاصة مثل: قراد الدجاج، وقراد البقر، وقراد الكلاب، وقراد الأغنام والكثير من القراد الذي يهاجم الحيوانات يهاجم الإنسان أيضا وقراد الأغنام -ومزايين الإبل- تمتص دم الحيوانات والإنسان وينتفخ جسمها بالدم بعد أن تمتصه بشراهة وقد يتسبب لعابها السام في حدوث وفيّات للإنسان أما قراد الأيل - على وجه أخص- فإنه ينقل مرض أليما للإنسان وإذا لم يتم علاج هذا المرض، فإنه يؤدي إلى التهاب المفاصل المزمن، وإلى اضطرابات في القلب والأعصاب ولنزع قراد ألصق نفسه بالجلد، استخدم ملقاطا رفيع الأطراف، حتى تستطيع الإمساك بأجزاء فم القراد، الأقرب إلى الجلد بقدر الإمكان الرأس، ثم انتزعه بقوة وبعد إزالة القراد يجب أن تغسل يديك ضع مطهرا على مكان الجرح لتجنب التلوث احتفظ بالقراد لتحديد نوعها)، أرأيت إذن، كيف هي سطوة «النقطة»؟ بحسبانها قد تمكّنت بكفاءة من أن تجعل «الغربي» ديمقراطيّا وبامتياز - إذا ما استثنينا كثيرا من مشاريعه السياسية خارجيا- في حين أحالت «الإنسان العربي» إلى ديمقراديّ ينضح بالبشاعة مبنى ومعنى، وآية ذلك استنباته للأزمات حيثما حل أو ارتحل!وعلى الهامش من هذه المقارنة أدوّن ما يلي: - الغالب من التحوّلات الكبرى التي تطاول السياسة والمجتمع والثقافة (عربيا) إنما تتم برافعات من الحس «الديمقرادي» بحيث ألفينا «الإنسان» يكمن في الآخر من صلب اهتمامات هذه التحوّلات الكبرى!- وهمُ الانخراط في الحراك «الديمقراطيّ» بصورته المنقوصة عربيّا يبقينا دوما رهن المتاجرة بـ»الأسماء والألقاب» ولا يمكن لمثل هذا التزييف -مهما زوّقناه- أن يعتقنا من خناق «الاستبداد»، كما أنّه بالضرورة العقلية ليس من شأنه أن يدفعنا باتجاه «الحرية» وسيادة القانون والسّلم المدني! (كما يعيشها الغربي)!- الخطاب الديمقراديُّ؛ إنما جرى تأسيس رؤاه الفكرية - في مسائل حقوق الإنسان- منفصلا عن الاعتراف بـ»حق الآخر» ذلك أنّه ما برح يتموضع على ذاته «المترهلة» إذ لا يرى في المشهد من أحد سواه - الديمقراديّة يتعذّر عليها أن تأتي بكافة مشاريعها - سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا- إلا على ركام متهافت من نقض بيّن للرؤية -التوحيدية- التي جاءت بها رسالات الأنبياء عليهم السلام، وذلك أنّها -أي الديمقرادية- تكريسٌ بشعٌ لعبودية إنسان لـ»إنسان» آخر لا يختلف عنه بالمرّة! وأنها أيضا سلب لتزكية الإنسان ونزع لقميص تكريمه، ناهيك عن أنها تفعيل لخراب الأرض وجعلها يبابا وقد أمرنا ديانة بعمارتها - ولعلّ من أبرز ما يتميز به «الديمقرادي» هو توافر شخصيته على كل معاني «الانتهاز» والتمحور حول منافعه ليس غير بل يسعني القول بإطلاق إنه ما من آفة أخلاقية إلا وقد أصاب منها حظّا وافرا!- لا يمكن لـ»الديمقراديِّ» مهما ادعى -طهرانيّة- أن ينتهي عن غيّه في الأرض وفجوره، وذلك بسبب طبيعة تكوينه «عقلياّ وثقافيا» إذ تأسس في بنيته -العقلية والثقافية- على معاني الاستبداد والفساد في الأرض، والتّخلف وإشاعته، وتلك هي مشكلة نجاسة «الذّات» العينيّة التي هو عليها - ويبقى هو (في الأخير)، ذلك الأنموذج البائس للإنسان الذي لا يحسن العيش في هذه «الحياة» إلا بالإفساد في الأرض والرمي بكرامة «أخيه الإنسان» تحت قدميه من غير أن يأبه بدين أو بقيم ألم أقل قبلا بأنّه «قِرادٌ» بمسخ إنساني يعشق التدمير لكل المعاني الجميلة التي تحفل بها هذه الحياة؟أعاذنا الله تعالى وإياكم من شرّ «الديمقراديّات» كلّها ومن شرّ كل «ديمقراديّ» لا يرقب فينا إلاّ ولا ذمة