حكاية نفق إبراهيم باشا التاريخي وصمود أهالي الرس
يحمل نفق إبراهيم باشا جنوب شرق محافظة الرس قيمة تاريخية كبيرة، ولكن طاله الإهمال وأصبح مأوى للحيوانات الضالة وسكنا للعمالة، وعلى مقربة من مقبرة الشهداء والتي سمي الحي بها وقتذاك، ويرقد بها جثمان نحو 70 شهيدا استبسلوا بدفاعهم عنها في غزوة إبراهيم باشا الشهيرة
الخميس / 22 / ذو الحجة / 1435 هـ - 16:45 - الخميس 16 أكتوبر 2014 16:45
يحمل نفق إبراهيم باشا جنوب شرق محافظة الرس قيمة تاريخية كبيرة، ولكن طاله الإهمال وأصبح مأوى للحيوانات الضالة وسكنا للعمالة، وعلى مقربة من مقبرة الشهداء والتي سمي الحي بها وقتذاك، ويرقد بها جثمان نحو 70 شهيدا استبسلوا بدفاعهم عنها في غزوة إبراهيم باشا الشهيرة. أبدى الأهالي انزعاجهم من الإهمال الذي يطول تاريخها وتاريخ الرس. ويجري العمل حاليا بالتنسيق مع المحافظة والبلدية وبعض الملاك في الموقع الذين أبدوا استعدادهم للتعاون في الحفاظ على النفق كمعلم تاريخي هام في الرس وتهيئته ليصبح أحد المواقع التراثية. يحكي أستاذ التاريخ السياسي بجامعة القصيم الدكتور خليفة المسعود عن أسوار الرس ويقول «بني السور الأول في منتصف القرن الثاني عشر الهجري، خلال إمارة عبدالله بن شارخ الدهلاوي، فيما بني الثاني في 1320هـ خلال إمارة صالح بن عبدالعزيز الرشيد، وكانت حملات محمد علي باشا ضد الدولة السعودية الأولى هي السبب الدافع لأهالي الرس على إثبات الولاء؛ فأعدوا العدة لبناء السور الثالث للبلدة بطول 340م من الشرق للغرب و370م من الجنوب للشمال»
بداية الحرب
وصل إبراهيم باشا إلى أسوار الرس في 25 شعبان1232 الموافق 9 يونيو1817م فاستعد الجميع للمقاومة بقيادة الأمير منصور العساف وبدعم من الحامية التي أرسلها الإمام عبدالله بن سعود بقيادة حسن بن مزروع، ويضيف المسعود «بالرغم من فارق العدد والعتاد، وأمام الضربات الهائلة التي تلقتها البلدة من مدفعية الباشا التي أطلقت في ليلة واحدة قرابة خمس آلاف قذيفة، إلا أن المقاومة كانت قوية وحاضرة». أصيب على إثرها العساف فتولى الشيخ قرناس قيادة المقاومة في وقت استمرت مدافع الباشا توجه ضرباتها للبلدة، إلا أن قرناس ومن معه تمكنوا من إلحاق ضربات كبيرة بالمعتدين، وكانت المقاومة في الرس تقوم بتتبّع تحركات إبراهيم باشا وتكتشف خططه فتقوم بإفشالها وهذا ما أشار إليه ابن بشر بقوله «فكلما هدمت القبوس «قذائف المدافع» السور بالنهار بنوه في الليل، وكلما حفر الروم حفرا للبارود حفر أهل الرس تجاهه حتى يبطلوه».
الخسائر المادية والبشرية
وفند المسعود في حديثه لـ»مكة» الخسائر المادية والبشرية، يقول «قدم إبراهيم باشا من النفقات لكسر صمود الرس ما يزيد عن حمل 400 جمل من الذخيرة 30 ألف قذيفة مدفعية وبطاريات مدفعية بتكلفة تجاوزت 52 ألف كروانا ألمانية، وعلى الرغم من نجاح القصف في إحداث ثغرة في السور إلا أن 600 من المشاة حين أرادوا دخول البلدة مستخدمين سعف النخيل وأكياس القش وقعوا ضحية رشق أسلحة أهالي الرس المرابطين على أسوار البلدة، نتيجة وقوعهم في الخندق واشتعال النيران في تلك المواد مما كان سببا في تضاعف قتلى جيش إبراهيم باشا إلى عشرة أضعاف قتلى الرس، ولشدة غضب إبراهيم باشا من تلك الهزيمة أصدر أوامره بحرمان القتلى من حقهم في سرعة الدفن».
حفر الخنادق
وعرج المسعود على دور الجنود وحفرهم للخنادق والتصدي للأعداء حيث وضح بأن جنود إبراهيم باشا قاموا بحفر خندقين أحدهما جنوب البلدة والآخر شرقها، وحشوا الخندقين بالبارود يتسع النفق لسير الجندي وهو مطأطئ الرأس ويمتد من الحد الخارجي للسور الجنوبي حتى وسط البلدة، وتشير بعض الروايات إلى أن امرأة كبيرة السن سمعت ذات ليلة صوت الجنود وهم يحفرون أسفل منزلها فأبلغت الشيخ قرناس بذلك فبادر بالعمل على التصدي له بإحداث فتحة صغيرة تجاه مصدر الحفر حتى اخترق الخندق، وهذا ما عناه ابن بشر بقوله «وكلما حفر الروم حفرا للبارود حفر أهل الرس تجاهه حتى يبطلوه»، ثم قام بربط قبس من النار في ذيل قطة فأطلقها مسرعة تجاه النفق لتخترق موقع الأسلحة وحين لامست النار البارود والذخيرة أحدثت انفجارا هائلا، أودى بحياة عدد كبير من جنود الباشا، كما أحرقت خيام معسكره.
القلعة المنحوسة
يقول المسعود «صمدت الرس لما يزيد عن ثلاثة أشهر ونصف، الأمر الذي جعل إبراهيم باشا في حيرة من أمر هذه البلدة الصغيرة التي كان يعتقد أنها محطة راحة له ولجنوده، لكنها أصبحت مصدر رعب وقلق لهم وهذا ما جعله يتذمر منها ومن موقفها الصامد وراح يصفها في إحدى رسائله لوالده بالقلعة «المنحوسة» مبررا عجزه عن السيطرة عليها بكون بنائها متينا ومستحكما من الأحجار الصغيرة، وهي صعبة المرتقى وأن جدران الأبراج كانت ثلاث طبقات وكل طبقة تحتاج إلى 50-60 طلقة ولذلك صرفت قنابل كثيرة من مدفعياته.
صمود الرس وصلح الباشا
ومع تزايد صمود الرس اضطر الباشا لطلب المزيد من الإمدادات، بعد أن خسر في المواجهات الأولى ما يقارب 800 جندي، ومع مضي الوقت ازداد موقفه سوءا فحاول المراوغة بعرض الصلح مع أهالي الرس شريطة أن يضعوا أسلحتهم ويقدموا لجيشه مؤونة ستة أشهر ورهينتين، ضمانا لعدم انقلابهم عليه بعد رحيله لكنهم سخروا من ذلك العرض وواصلوا الصمود. وإزاء تلك المقاومة لم يجد الباشا بدا من اللجوء للصلح مع الأهالي الذين أخذوا إذن الإمام عبدالله بن سعود، والذي قرر العودة للدفاع عن الدرعية ملتمسا لهم العذر في ذلك بعد أن طال الحصار، ونفدت المؤن والذخائر، وعلى إثر ذلك تمت المفاوضات صباح يوم الجمعة 12 من ذي الحجة 1232هـ - 22 أكتوبر 1817م بلقاء جمع أعيان الرس بقيادة الشيخ قرناس بإبراهيم باشا الذي سمح له بدخول البلدة بحرسه دون جنده. فيما أوضح فرع الهيئة العامة للسياحة والآثار بالقصيم أن نفق إبراهيم باشا يُعتبر من أهم الشواهد الباقية من قصة الصمود لأهالي الرس، وقد اختلف المؤرخون في استخداماته وحجمه فلا توجد معلومة موثقة حول الحجم والأبعاد، وبحسب ما ورد في القصص المتواترة عن طريق الأهالي وبعض المهتمين على أنه كان إحدى الخطط الاستراتيجية التي لجأ إليها إبراهيم باشا لدخول الرس بعد أن طال حصاره لها. يرتبط النفق بموقع ملح الجريف لكونه الموقع الذي يتم فيه تصنيع ملح البارود الذي كان يستخدم ذلك الوقت كذخيرة للبنادق والمدافع، وقد عرف ملح الجريف بأنه ذو جودة عالية ذاك الوقت وقد ورد ذكره في العديد من القصائد النبطية القديمة.