صباح الخير قهوتك ايه؟
لا يختلف اثنان على الأثر الذي تمارسه ربيبة القصور العثمانية، القهوة التركية، التي تعمل على إيقاظ حواسك بطعم ونكهة لا يخطئهما اختلاف المشارب والمذاقات
الأربعاء / 21 / ذو الحجة / 1435 هـ - 18:30 - الأربعاء 15 أكتوبر 2014 18:30
لا يختلف اثنان على الأثر الذي تمارسه ربيبة القصور العثمانية، القهوة التركية، التي تعمل على إيقاظ حواسك بطعم ونكهة لا يخطئهما اختلاف المشارب والمذاقات. اعتياد شرب القهوة التركية في الصباحات ارتبط بالوجاهة لممتهني القلم من الصحفيين والكتّاب بسبب أساطير اختلقها آخرون تربط الإبداع بأبيضين يفترش أحدهما سواد حبر الكلمات؛ فيما تطفو رغوة القهوة على سطح الفناجين، وصولا لسرد حكايات أخرى للقهوة التركية أبطالها أحلام البنات في فضاء الفناجين الفارغة. عادة قلب الفنجان اعتادت سهاد وصديقاتها ممارستها بغرض التسلية لقراءة المستقبل، والبحث عن بصيص أمل يحمل فارس الأحلام ووظيفة تحفظ لهن حياة كريمة تسد الرمق. قارئة الفنجان التي تغنى بها العندليب الأسمر لا تزال حاضرة في جلسة سهاد وصديقاتها عبر تقمص إحداهن لها ليبدأ اللعب على الأحلام والاستعانة ببعض الذكريات، عملا ببيت الشعر القائل «توقظ فيك من الذكرى التي نُسيت، لا حبذا ذكرى توقِظ عن ألمِ». مزاج محتسي القهوة يلعب دورا في طريقة عملها، ويتضح ذلك في لونها الذي تتحكم فيه درجة الغليان وكمية السكر، فبين القهوة السادة والسكر زيادة مسافة زمنية بين جيلين لكل منهما اهتماماته ونمط حياته الذي تعكسه القهوة، مضافا إليه مرة الهيل لمنحه شيئا من الأصالة العربية، ومرة يضاف الحليب لتغيير كامل النكهة التركية. القهوة التركية رسخت حبال الود عبر حضورها في كل المناسبات، مما جعل لها ألقابا فأصبحت «قهوة الخطبة» التي تتوج الفتاة عروسا بعد سنوات من تذوق مرارة «قهوة التعب». وفي بعض البلدان العربية تُعرف خبرة الصبايا ومهارتهن في الطبخ من خلال رغوة القهوة، في حين يظل فنجان القهوة التركية دليلا واضحا على الكرم، عملا بمثل قديم يقول «إكرام فنجان من القهوة يحمد أربعين سنة».
فنجان قهوة بطعم الغربة
على نفحات «العطان» البخور الإريتري، ورائحة البن «المحمص»، والفشار، تجتمع الخالة صوفيا كل مساء مع ابنتها دينا لاحتساء القهوة الإريترية، والاتصال ببناتها الثلاث اللاتي فرقتهن الغربة. يدور الحديث هذا المساء في حضرة القهوة، التي لا تشرب إلا بطقوس تضفي على الجو احتراما،يأتي على رأسها المفرش المطرز يدويا، الذي يعلو طاولة زجاجية، تضم أدراجها مستلزمات القهوة، التي حرصت على طليها بالأبيض في أطرافها علم إريتريا، وفاء لوطن لم يغب عن الذاكرة، وبجوارها موقد لا يظهر سوى رأسه. حداثة الأدوات لم تمنع صوفيا من اقتناء «الجبنة» الإريترية، المصنوعة من الفخار لغلي القهوة. تنهمك صوفيا في تحميص البن «الهرري»، ثم تنقله إلى «منكشكش» أداة تقليدية لتحميص حبات البن التي تغمر رائحتها المكان. يأتي بعد ذلك دور «المشرفة» الدائرية الشكل والمصنوعة من سعف النخل؛ لوضع الحبات المحمصة عليها؛ بغرض تمريرها على الضيوف واستنشاق رائحتها الزكية؛ قبل طحنها في «مُكدأ بن» مطحنة من الخشب تقليدية استعاضت عنها صوفيا بأخرى كهربائية. ثم يتم نقل البن لـ»الجبنة» لإضافة الماء وغليه بهدوء بعد إحكام إغلاقها بـ»ليفة»، وبعدها يتم سكب القليل من القهوة في إناء «المشرقرق» لتبريده وإعادته إلى الجبنة أكثر من مرة لضمان تعتيق القهوة. صب القهوة؛ يُضيّف به من هم أكبر سنا أولا؛ ويُقدم معها الفشار أو «الغجا» وهو نوع من الخبز، ولا يُسمح للفتيات باحتسائها، إلا أن فتيات هذا العصر «لا يخضعن للقوانين» كما تعتقد صوفيا، إلا أن دينا لا تبالي، وتشرب «كالاي» وهو الفنجان الثاني من القهوة، مطالبة والدتها بإضافة مزيد من السكر والحليب. جولات فناجين القهوة الإريترية؛ لكل منها اعتقاد ومسمى؛ إلا أنها تختم بفنجان تميزه خفة تركيز القهوة فيه وهو الفنجان المفضل لكبار السن. فيما كان لـ»مكة» نصيبها من فنجان «بركة»، وهو الأخير حسب الأعراف الإريترية. قبل أن نقول للخالة صوفيا ممتنين «طعم بن»، ونحن ندرك أن في عينيها قصصا لم يروها الفنجان بعد.
بالله صبوا هالقهوة وزيدوها هيل
القهوة العربية دائما على البال بكل تفاصيل «الحل والترحال والنار والهيل»، هي معجم الترحال وسفر الصحارى، توارثتها الأجيال، وتفنن في صنعها سكان الجزيرة العربية، صورتها في الذاكرة حطب ونار تشتعل تعتليها دلة قهوة. الاختلاف في شربها ساخنة أو دافئة يعود للمزاج وتوقيت احتسائها بين فصول السنة؛ خاصة في فصل الشتاء البارد في صحراء الجزيرة العربية، التي يحرص كثيرون على إضافة بعض الأعشاب لها. بين الزنجبيل الذي تتم إضافته للقهوة؛ بغرض الحصول على الدفء، تفوح رائحة القهوة بالهيل في أغلب المناسبات الاجتماعية، فيما يفضلها آخرون بإضافة القشر. اختلاف الأمزجة في تناول القهوة العربية؛ يجبر البعض على القيام بـ«تحميصها»؛ لتصل لدرجة اللون التي يفضله؛ وهؤلاء من يطلق عليهم «كييفة القهوة»، الذين يحرصون على التلذذ بمذاقها اللاذع. أما الطعم الحار للقهوة فيأتي عبر إضافة القرنفل؛ ويبقى لونها الزاهي متروكا للزعفران. ارتبط شرب القهوة العربية بفترة العصر التي كانت قديما الوقت الذي يجمع أفراد الأسرة؛ قبل أن يتغير نمط الحياة الاجتماعية للأسرة السعودية؛ ويتم استبدال هذا التوقيت بفترة ما بعد صلاة المغرب؛ تتخللها أحاديث وحكايات بنكهة أطباق الحلويات التي ارتبطت بعقد قران مع فناجين القهوة العربية ذات المذاق المر.
بن حيوانات 'لكوبي لواك' أقل مرارة وقوام أكثر نعومة
قبل أن تصل إلى كوبك وتعطر يومك بعبق رائحتها، نسجت ثمار البن الحمراء لنفسها قصة طويلة عبر دروب الرحالة في جغرافية المناطق الاستوائية؛ قبل أن تستقر بلونها البني الداكن في علب وأكياس ورقية صُنعت خصيصا للمحافظة على نكهتها القوية. تعد حبات البن ثاني أكبر منتج يتم تداوله عالميا بعد البترول؛ وتغطي مزارعه البرازيل، مع 37 دولة أخرى تقوم بزراعته. قصة الحبة الحمراء التي شُغف بها أكثر سكان الأرض لا تقف عند قطف الثمرة وتجفيفها ومن ثم جمعها وفرزها حسب شكلها، لأن الحديث عن البن الجيد لا بد أن يأخذك لحبات بن «لواك»؛ الأغلى والأندر والأشهر بين أنواع القهوة حول العالم. «لواك» هي خلاصة فضلات حيوان يُدعى»لكوبي لواك»، يعيش في شرق جنوب آسيا وجنوب الصين، يتم أخذها من معدته بعد أن يأكل ثمار القهوة الحمراء الشبيهة بحبات الكرز، يقوم بعد ذلك المزارعون بجمعها في مزارع إندونيسيا لصناعة أغلى قهوة في العالم. (لكوبي لواك) حيوان يتميز بوجود أنزيمات هضمية تساهم بتغيير طعم البن وتقلل من مرارته وتجعل قوامه أكثر نعومة، في حين يعتقد بعض خبراء سيدة المساءات (القهوة)، أنه لا يوجد فنجانين بنفس الطعم بسبب اختلاف تلك الأنزيمات في الجهاز الهضمي لكل حيوان، والتي يلعب النظام الغذائي للحيوان دورا فيها. حبات لواك الأسطورية التي تستخدم في مقاهي شهيرة حول العالم، يبلغ سعر الرطل الواحد منها حوالي 600 دولار أمريكي. واذا ما كان غلاء ثمن هذا النوع من القهوة يأتي لغرابة القصة التي خلفه، حسب رأي خبير جمعية أخصائيي القهوة في أمريكا، فإنها تحمل نفس الطعم للقهوة العادية ولا تختلف عنها إلا بقوامها الأكثر نعومة والأقل مرارة.