تفاعل

توقع قبل أن توقع

منذ القدم والناس يسعون إلى تلبية احتياجاتهم الضرورية والتحسينية، بمختلف ما يتسنى لهم من معطيات عصورهم، وبأي وسيلة تمكنهم من ذلك. وعصرنا الحاضر من أوفر العصور حظا، وأسرعها تقدما، فما يلبث الشخص بالتفكير بما يرغب به حتى يجد من الطرق ما يمكنه من الحصول على مبتغاه، وبأسهل مما يظن.

لكن المؤلم في هذا والذي لا يتنبه إليه المستفيد، مسألة التوقيع على شيء لا يعرفه ولا يعيه، وأن يستسلم لأي شرط مذعن لتحقيق مبتغاه ورغبة فيما يرجوه، متنازلا عن حقوق القراءة والمعرفة وبما يحويه العقد المبرم من شروط وبنود.

لا يخفى على القارئ الكريم حجية التوقيع بمجرد الانتهاء منه، وأن المستفيد أصبح ملتزما بما في العقد، مطوقا بشروطه وبنوده.

لذا يجد المستفيد نفسه بعد حين في ورطة كبيرة، لا يستطيع الخروج منها بسبب عدم الإلمام بمقتضيات العقد، والتوقيع على ما لم يطلع عليه، سواء باشتراط شروط لا تتماشى مع إمكاناته، أو بتحمله شرطا جزائيا كان يمكن أن يتلافاه بمجرد الاطلاع على ما دون عليه قبل التوقيع.

المسألة في الاطلاع والقراءة والمعرفة ومناقشة ما له وما عليه لا تستغرق من الوقت طويلا، لكن المسألة ربما تكون طويلة ومؤلمة، فلربما يغفل عن شرط بسيط يكلفه ويحمله شيئا كثيرا، فلا يجد منه مخرجا ولا مهربا، فالسرعة في هذه الأمور تكثر العثار.

لذا لا بد للمستفيد من الانتظار والتفكر في عاقبة الأمور، وقراءة ما بين السطور، قبل أن يوقع، فالطرف الآخر المبرم للعقد دون كل شروطه واحتاط لكل ما يمكنه أن يستخلص حقه من المستفيد، فالتوقيع ملزم، والعقد شريعة المتعاقدين بمجرد توقيع الطرفين، فكما قيل «من لم يتحسب للعواقب لم يكن الدهر له بصاحب».