هل افترى جرجي زيدان على الإسلام؟

ما أيسر أن نبني حكما ثقافيا أو ما شئنا من أحكام على ما شاع في الناس، وإذا بهذا الرأي أو ذلك يشيع حتى ليصبح الأخذ به من الحقائق القطعية، وربما لا يصح، في حسبان المؤمن بها، التفكير في أصولها، ولا التروي في بنائها العلمي أو العقلي، أو الوقوف عليها.

ما أيسر أن نبني حكما ثقافيا أو ما شئنا من أحكام على ما شاع في الناس، وإذا بهذا الرأي أو ذلك يشيع حتى ليصبح الأخذ به من الحقائق القطعية، وربما لا يصح، في حسبان المؤمن بها، التفكير في أصولها، ولا التروي في بنائها العلمي أو العقلي، أو الوقوف عليها.

ومن العبارات الشائعة في ثقافتنا، منذ ردح من الزمان، تلك العبارة التي ألصقت بالأديب والمؤرخ والصحفي جرجي زيدان، ووصفته بالافتراء على تاريخ الإسلام، وربما بالغت قليلا أو كثيرا فجعلته ولا هم له إلا أن يحمل معولا يريد به هدمه! وإذا سألت سؤالا يسيرا: وكيف افترى على تاريخ الإسلام؟ قيل لك: ألا ترى رواياته المختلفة التي جعل تاريخ الإسلام موضوعًا لها، فدسَّ السم في العسل لينال من تاريخنا ويزهدنا فيه، ويجعله ميدان سمر ولهو وحب وغرام؟ وإذا تحققت الأمر تجده لا يخرج في الغالب عن قول شاع في حقبة ما، وعند تيار فكري بعينه، اختصر فيه هذا المفكر أو ذاك في رأي عدا به صاحبه شرط العلم والمنهج لينال من التيار المخالف له في الرأي والمنهج، فدمغ أصحابه بما يزهد الناس في أفكارهم، ويصدهم عنهم، وليس أيسر من أن ترمي هذا الأديب أو ذاك بأنه “عدو” للإسلام، ثم تستريح، ولا يكلفك الأمر إلا أن تأخذ كلمة من هنا وكلمة من هناك، وتحْرف الموضوع عن سياقه، فإذا بقولك صار من الأقوال الشائعة التي نزلت من “العلم” منزل الحقائق التي لا تقبل السؤال. والعجيب في الأمر أن فرية “الافتراء” أو “الهدم” قيلت في رواية أدبية تاريخية لها شرطها الأدبي وعقدها القرائي، وهذا ما عرفه معاصرو جرجي زيدان حين آخذوه في مسائل مجالها الفن لا العقائد، فكانوا، على حداثة التجربة الأدبية آنئذ، أقرب إلى روح العلم والمنهج وطبيعة الفن، من القول الشائع الذي صور جمهرة من رواد النهضة، وكأنه لا هم لهم إلا النيل من ديننا وتاريخنا وثقافتنا. ولا يخص الأمر جرجي زيدان وحده، فبإمكاننا أن نستبدل به آخرين لنخرج بالقول الشائع نفسه والنتيجة نفسها.