حي بريمان.. من البسطاء إلى المخالفين والثعابين
تحول حي بريمان شرق جدة من حي لسكن البسطاء ومتوسطي الدخل إلى مأوى للمخالفين والمتخلفين بأشكالهم، ومسكن للدواب والثعابين الخطرة التي تشكل رعبا للأهالي
الخميس / 15 / ذو الحجة / 1435 هـ - 18:30 - الخميس 9 أكتوبر 2014 18:30
حي بريمان.. بين غبار الكسارات ومئات التشاليح
علي شراية - جدة
تحول حي بريمان شرق جدة من حي لسكن البسطاء ومتوسطي الدخل إلى مأوى للمخالفين والمتخلفين بأشكالهم، ومسكن للدواب والثعابين الخطرة التي تشكل رعبا للأهالي، بعد أن أحاطته المشاريع ومناطق العمل الصناعية من كل جانب واستوطنه المخالفون الذين يعملون في تلك المشاريع، إضافة إلى انتشار الأحواش المخالفة التي يتهمها الأهالي بأنها أوكار للإجرام. وعلى طريقة «خيرك لغيري والعنا والشقا لي» تحيط المشاريع التنموية بالحي دون أن يستفيد منها شيئا إلا الضرر الذي يلحق بسكانه، ففي جنوبه تمتد أشكال مصادر المخالفات عبر مئات التشاليح الخاصة بالسيارات، وفي شرقه تنتشر مختلف مصادر الغبار والأتربة من كسارات ومصانع الخرسانة، وفي شماله تقع القاعدة الجوية، وغربه تتمركز بؤرة العمل والإزعاج إذ طريق المدينة ومشروع المطار والورش. وبرغم كل ما سبق لم ينل الحي المنكوب من كل تلك المشاريع والصناعات إلا الوجع والإزعاج إذ يغيب الحي في بعض الأوقات في غبار الكسارات والمصانع ومناطق العمل، وتنتشر أمراض الربو والصدر بسبب ذلك، ويستوطن الفقر البيوت الشعبية التي يخجل أهلها من كبار السن والأرامل من الطلب والسؤال.
تفاوت الخدمات
وتتفاوت الخدمات بين مساكن الحي الذي يصنف بأنه عشوائي، إذ تجد مسكنا ينعم بخدمة الكهرباء، فيما جاره رقم معاملته معلق على الجدار آملا في إكمالها - بحسب العلاقة مع المسؤولين - وفقا لسكان في الحي. يقول المواطن بدر محمد إنه ظل ينتظر وصول الخدمات لمنزله منذ خمس سنوات، جاره حصل عليها بطريقته الخاصة، وزاد «أنا أحاول قدر المستطاع الحصول عليها بعد أن اشتريت المنزل بدون صك رسمي، كما هو حال معظم المنازل في الحي الذي يأمل مئات من سكانه الحصول على الخدمات والعيش بسلام، حيث تواجههم كثير من الأخطار خصوصا في منطقة الأحواش التي تزاحمهم العيش في الحي السكني».
بريمان المقاول
وبحسب أحد أقدم سكان بريمان ويدعى شيمي السلمي، فإن بريمان يعد من الأحياء التي انضمت لجدة بفعل التمدد السكاني، إذ كان قديما قرية خارج حدود جدة، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى أحد المقاولين العالميين الذي شق طريق المدينة، كما أن المنطقة كانت تعرف قديما كمحطة استراحة للمسافرين إلى المدينة المنورة والداخلين إلى جدة من شمالها أو شرقها، لوجود آبار المياه فيها، والتي قدرت بنحو 20 بئرا إحداها موجودة إلى الآن، كما أن عدد سكان الحي وفق آخر إحصائية بلغ نحو 36 ألف نسمة وكان قبل 3 سنوات 20 ألفا، وارتبط الحي بسجن بريمان الواقع غربه. ويروي فيصل الظاهري لـ»مكة» أسباب خروجه وانتقاله من الحي بعد نحو 30 عاما من العيش فيه بقوله «يئست من إصلاح أوضاع الحي بعد أن حاصرتنا الكسارات والمصانع وأغلقت الشركات المداخل والمخارج واضطررت للانتقال إلى حي آخر، رغم عدم قدرتي المالية»، مضيفا «أن كثيرا من الحشرات والدواب تنتشر في الحي فقد دخل بيتي منذ فترة ثعبان اضطررت لإبلاغ الدفاع المدني لإخراجه، كسرت معظم أغراض منزلي». ويستطرد «ولأنه حي شعبي فلا يمكن أن أتوقف عن الحديث على حجم الفئران والقوارض التي تنتشر في الحي بشكل مخيف جدا».
تغلغل الشاحنات
من جهته، تحدث سلطان المعبدي، وهو ممن سكنوا الحي قديما، عن معاناتهم من مشاكل الكسارات التي تحولت إلى إزعاج طوال اليوم، وتسببت في أمراض تنفسية لمعظم السكان، إذ تتحول سماء الحي صباح كل يوم إلى ضباب، إضافة إلى تغلغل الشاحنات الكبيرة في أعماق الحي، مستدركا «الشاحنات الكبيرة التي تدخل الحي تفوق عدد سيارات السكان، وتفسد الطرقات، وتشاركهم المواقف، وأصبحنا نخشى خروج أبنائنا إلى الشارع، خوفا من حوادث الدهس، وسط غياب كامل للمرور عن المنطقة، أضف إلى ذلك عشوائية الشوارع، وعدم تنظيم الخدمات، وعدم اكتمال الأرصفة والإنارة والسفلتة، وعدم توفر الخدمات العامة».
العمالة المخالفة
فيما أفاد هاني بخيت أن المدارس الموجودة لا تفي بحاجة السكان، إضافة إلى عدم وجود مركز للشرطة، حيث يتبع الحي شرطة السامر، والذي يغطي 17 حيا، ويعد أكبر مركز شرطة يخدم أحياء سكنية. وأضاف «فيما يعاني الحي من الوجود الكبير للعمالة المخالفة، التي تعمل طوال النهار في الأحواش العشوائية، والتي تحولت أوكارا لتفكيك السيارات المسروقة، وبعضها إلى مستودعات ومصانع للأثاث، فيما لا يعلم إلا الله ماذا تخفي الأحواش الأخرى من مصائب وأخطار». فيما تحدث عبدالرحمن المطيري عن نقص المياه في الحي، إذ يضطر السكان يوميا إلى البحث عن الصهاريج، ومنهم من أنشأ خزانات داخل الحي لتخزين المياه.
محطة الاستراحة
في الواقع، ومن داخل الحي، تحول حوش إلى موقف لشاحنات شركة تعمل في نقل المواد النفطية، حيث تراصت داخله عشرات الشاحنات، بعد أن تحول الموقع إلى محطة للصيانة، وأخذ قسط من الراحة للسائقين على طريق الحرمين، دون المبالاة بقربهم من خزانات أرامكو، ووسط السكان، وهناك وقف أحدهم ليمنع الآخرين من الاقتراب من الحوش أو محاولة التصوير. وفي حوش آخر، كانت قطع غيار منزوعة من سيارات تتكوم في المكان، بينها بعض اليخوت القديمة، وعنها قال بدر محمد إن مثل هذه القطع غالبا ما تكون مسروقة، ويتم تشليح بعض السيارات في الموقع، وأحيانا تكون مستودعات لتجميع الخردة.
400 تشليح
ويحتكم الحي إلى نحو 400 موقع للتشليح تحتضن نحو 50 ألف سيارة تالفة، يعمل معظم السكان في الاستفادة منها ببيع قطع غيارها، وينتظر السكان نقلها إلى الموقع الجديد بالقرب من عسفان، وسط شكاوى السكان من خطر الموقع، ويتنبه العاملون في التشاليح إلى أهمية انطباق اشتراطات دخول السيارات التالفة إلى مواقعهم، وهو ما قاد رئيس طائفة تشاليح السيارات عبدالله السفري للتأكيد على أن إجراءات قانونية تتم قبل استلام أي سيارة أو شرائها من ملاكها، إذ يشترط إحضار ورقة رسمية من المرور تسمح ببيع السيارة إلى التشليح، وعدم تسجيل أي مخالفة عليها.
المستودعات
أوضح الناطق الرسمي للدفاع المدني بمنطقة مكة المكرمة العقيد سعيد سرحان أن قضية الأحواش ومخالفاتها في الحي مسؤولية جهات أخرى ملزمة بمتابعتها، ويتركز دور الدفاع المدني في التحرك فيما لو وقع طارئ أو حادث في أي منها، أما تنظيمها ورصد مخالفاتها فمسؤولية الأمانات والبلديات، واستدرك «رغم ذلك ننفذ جولات على بعضها، خصوصا بعد التأكد من أن المالك حولها إلى مستودعات، فإذا وجدنا مخالفة نباشر الموقع ونفرض العقوبات».
تنظيم الحي
وأكد المتحدث الرسمي باسم أمانة جدة محمد البقمي أن تنسيقاً يجري مع الجهات المختصة لمداهمة الأحواش المهجورة وإزالة ما بداخلها من مخالفات (سكراب، وخردة، ومصانع بلك، ومستودعات)، وجار العمل على إعداد تنظيم للحي وإنشاء مداخل ومخارج، وتقديم خدمات للسكان، وتوفير مواقع لإقامة مرافق حكومية عليها. وقال البقمي إن فرع الأمانة في الحي ينسق ويرفع للجهات المختصة وهي الشرطة، ولجنة التعديات، بشأن مخالفات المباني والتعديات، وتزال أولا بأول، ويتم تحديد مجاري السيول في الحي من قبل الجهة المختصة في الأمانة، وبناء عليه يشعر أصحاب تلك المواقع بالإخلاء وتعويض أصحابها، وعدم تقديم خدمات لتلك المواقع الواقعة بمجاري الأودية والسيول لافتا إلى أن الحي يحوي مقبرتين محاطتين بأسوار مسلحة، وتشرف عليهما إدارة التجهيز بالأمانة.
دوريات الشرطة
وأوضح الناطق الإعلامي بشرطة منطقة مكة المكرمة المكلف الملازم أول رائد الصحفي أن حي بريمان بجدة يقع ضمن حدود مركز شرطة السامر، الذي يباشر جميع الحالات الجنائية التي تحدث به، مبينا أن جهود رجال الأمن قائمة على مدار الساعة لحفظ الأمن وحماية الممتلكات، وأن الدوريات الأمنية تنفذ جولات دورية على المواقع.