الشفيع المتّزر و"العريان"!
وما أخبار علماء السلف إلا علامة نقاء لنفوسهم وصفاءٍ لسرائرهم؛ وحقيقة تكشف معايشتهم لواقعهم دون «رتوش» أو استعلاء؛ وفهمٍ لذات الواقع دون تكلّف. فلا تأخذهم حميّة
الخميس / 26 / صفر / 1436 هـ - 20:00 - الخميس 18 ديسمبر 2014 20:00
وما أخبار علماء السلف إلا علامة نقاء لنفوسهم وصفاءٍ لسرائرهم؛ وحقيقة تكشف معايشتهم لواقعهم دون «رتوش» أو استعلاء؛ وفهمٍ لذات الواقع دون تكلّف. فلا تأخذهم حميّة انتقامٍ لذواتهم وإن انتقص قدرهم؛ فإن رأوا «عصياناً» ظاهراً سعوا للستر والدعاء بالهداية والصلاح لا الويل والثبور واجتراح «الفضح» كما هو حاصلٌ في أزماننا المتأخرة هذه التي تحوّل فيها العلم – إلا ما شاء الله للبعض - لمعيشة؛ أو سبيل لتكميل «الوجاهة»! بل أصبح استلهام لين الجانب والابتسام مضاداً للوقار المفترض ببعض مشايخ الزمن الحديث! أعود لموضوع أولئك العلماء هرباً من «رجال» واقعنا الإسلامي المعاصر فأذكر قصة تسير في جانب أخلاقهم السامية والرفيعة؛ واستبقائهم لفضيلة حلاوة النفس وتغليفها بـ«الفكاهة» المعبرّة الأثيرة؛ وهي قصة قصيرة لعالم اليمن حينها الإمام عبدالرزاق بن همام الصنعاني المولود عام 126هـ؛ فهذا الإمام الجليل طرق بابه تلاميذه بشدّة مهملين أدب المتعلم تجاه معلمه؛ وكأنهم عكّروا على الشيخ الفاضل لحظة «قيلولته» فيما هو مشغول ربما بدنيا يصيبها أو.. المهم أن الشيخ خرج عليهم مغضباً وقال لهم إنه لن يحدّثهم لشهر كاملٍ؛ وأوصد الباب في «وجوههم»! وهنا أدرك الطلاب «المصاقيل» فداحة فعلتهم؛ ولو كانوا من «طلاب» هذا الزمان لقالوا «أبركها ساعة» ورموا الكتب أمام الباب ليجمعها عوضاً عنهم بعد مغادرتهم! المهم أن تلاميذه استكثروا غياب الشيخ عنهم مدّة شهر كامل بأيامه ولياليه! لذا توسّلوا بجيرانه وأصدقائه ولكنّه بقي على «كلمته» مُؤَدّباً إيّاهم بالهجر الذي يعرفون مقدار ألمه عليهم! وأمام إصراره هداهم تفكيرهم «المشاغب» للتوسل بزوجته والتشفّع بها كونها بمكان قرب من الشيخ ليس خافياً! ولذلك أهدوا إليها بهديّة قيّمة؛ وبالفعل نجحت خطّتهم؛ ففي اليوم التالي دعاهم للالتحاق بحلقة العلم التي يديرها؛ وكان الشيخ منشرح الصدر و»الخاطر»! ولعلّه قرأ ما بأعينهم من «شيطنة» وإحساسهم بالفوز عليه لذا نظر إليهم وقال: لَيْسَ الشَّفِيْعُ الَّذِي يَأْتِيْكَ مُتَّزِراً/ مِثْلَ الشَّفِيْعِ الَّذِي يَأْتِيْكَ عُرْيَانَا!!