تفاعل

القبولية

إبراهيم عباس نتو
منذ أمد وأنا أتعامل بشيء من (قلة الارتياح) مع مفردات مثل «التسامح»، و»التحمل»، و»التعايش».

والسبب وراء (قلة الارتياح) هذه عندي، هو أني لا أرى ولا أحس بأنها تشفي الغليل، بل أرى أنها لا تؤدي الغرض الذي أرتجيه وأرتضيه، وأحس بأننا نحتاج إلى لفظة أقرب وأجمل و(أعمق).

فمثلا، كلمة (التعايش)، رغم إيجابيتها وطيبتها وجمالها إلا أني أرى أنها لا تؤدي الغرض الحقيقي، فمع كونك «تتعايش» قد تأتي هذه اللفظة أو الفكرة: بمجرد أن تتحمل وجودك هناك، أو - في أحسن الظروف - قد تعبر ربما عن مجرد «تنازلك» بأن تعيش هناك!

وفي نفس الاتجاه والمنوال، فإني أواجه كلمة «التسامح» أيضا.

فهنا قد تحس بأن طرفي الخلاف أو جانبي الفكر المتنافس قررا (السماح) والصفح والتسامح، وأنهما قررا مجرد أن يتناسيا ماضي التضاغن بينهما، وكأن كلا منهما «تنازل» للآخر بعد أن فرط في حقه أو في أو جزء منه!

وفي «التسامح» (tolerance) فإن ما أفهمه أساسا أيضا في اللفظة الإنجليزية، فهو مجرد «التحمل»، وكأنه أقرب (للقبول على مضض)، وبشيء يجافي الرضا ودون أن يحقق النفس الراضية المطمئنة!

ولذا أود أن أقترح مسمى جديدا في الإنجليزية (Acceptancia) وأن أختار لها كلمة معروفة في العربية لعلها تواكبها إلى حد معقول، وهي «الأريحية» و»القبولية».

فأود أن أقدم هذه الكلمة «القبولية» كبديل للتعايش والتسامح. فلعل (القبولية) هي الأنسب من غيرها، خاصة إن أشفعت لفظة القبول بصفة مثل حسن أو جيد، كما في «فتقبلها ربها بقبول حسن»؛ قبولا مطلقا عامرا غامرا، غير مشروط، بل بالقبول الحقيقي.

وبعد، فتبقى لنا كلمة وفكرة (المحبة)، فهي الروح المعبرة عن مفاهيم التوادد والتعاشر والتراحم والترحاب، وهي المفهوم الذي يعتبر الملجأ والملتجأ الذي يمكننا أن نلوذ به وأن نعتمده في التعامل الإنساني.

وفي نهاية المطاف، فالمحبة هي مفهوم لا يسمح بضغائن مسبقة، ولا يقبل أمكارا ولا أفكارا مستقبلية سلبية، فيأتي مفهوم المحبة خالصا مجردا من شوائب الماضي والحاضر والمستقبل، ويبقى الدعامة الأساس في العلاقات بين البشر التي تجمعهم وتمنحهم القوة، وتسهل لهم الأريحية فيما بينهم والقدرة على تسوية فروقات الحياة الظاهرة والمتدثرة، ومحاولة حلحلتها وحلها بمختلف الوسائل (السلمية)، وأن تزيل الانقسامات فيما بين الناس والدول، وتزودهم بما يحقق المزيد من سبل تواددهم وتراحمهم، و(قبولهم) لبعضهم بعضا.

فعسى أن تنتشر بيننا مفردة (القبولية) وفكرة «القبول الحسن»، وأن تصاحبها في الإنجليزية (Acceptancia)!