اللحمة الوطنية

اليوم يبدأ مركز الحوار الوطني بمدينة جدة أحد لقاءاته الكثيرة منذ تأسيسه في عام 1424هـ

اليوم يبدأ مركز الحوار الوطني بمدينة جدة أحد لقاءاته الكثيرة منذ تأسيسه في عام 1424هـ وموضوع هذا اللقاء الأخير (التصنيفات الفكرية وأثرها على الوحدة الوطنية)، وكان موضوع أول لقاءاته (الوحدة الوطنية والعلاقات والمواثيق الدولية)، وموضوع ثانيها (الغلو والاعتدال) هذه الموضوعات من الأول حتى الأخير جاءت في بحر اثنتي عشرة سنة، وهي مدة نجدها مناسبة وتستحق القراءة في مسيرة المركز وفي موضوعاته التي أنشئ من أجلها، وأولها وأهمها وأساسها تقوية اللحمة الوطنية التي هي الغاية في كل عمل وطني، ولكن إذا نظرنا إلى هذه الموضوعات التي أشرت إليها نجد أن المركز يختار جزءا صغيرا من المؤثرات على اللحمة الوطنية، وهو ما يتعلق بالفكر المذهبي الذي تهتم به فئة قليلة من الناس -وإن كان هذا يهمنا جميعا- إلا أن هناك ما هو أهم لبناء اللحمة الوطنية الصالحة غير المذهبية والفكرية، وهو الأمر الذي يتحاشى المركز نقاشه أو طرحه والحديث عنه، ولم يحاول إلا مرة يتيمة واحدة، لامس شيئا منه على استحياء، ثم أحال ذلك إلى الطي والكتمان وليسمح لنا المركز والقائمون عليه أن نقول: إن اللحمة الوطنية تبنيها وتقوي تماسكها مقومات عدة، واحدة منها ما كان يدور المركز حولها منذ إنشائه، أما البقية فلعل المركز والقائمين عليه يسمحون بمناقشتها وتذكيرهم بها، وأولها وأهمها: شعور جميع أبناء الوطن بأنهم سواسية في الحقوق والواجبات، وهذه أول لبنة يقوم عليها هيكل اللحمة الوطنية الحقة، وثانيها: شعور الجميع بأن العدالة قائمة بينهم في كل الحالات وفي كل الممكنات، بلا غلبة ولا تمييز، وثالثها: أن الفرص متاحة لهم على قدم المساواة فلا تفضل فئة على أخرى إلا ما تستحق بجدارتها وعملها، وتكون كفاءة المواطن وقدرته هي مقياس واحد تسقط أمامه كل مقاييس النسب والعائلة والجماعة القوية الفاعلة المتضامنة بكتلتها ضد الجماعات المشتتة والمفككة والمهمشة والضعيفة، ومقياس يسقط أمامه الإقليم بكل قوته وجبروته وفضائله والانتماء إليه والعزوة به، حتى يلتحم المنتمون إليه بلحمة الوطن كله الذي يعتد الجميع بالولاء له دون مزايدة عليه، وتسقط أمامه مراسم الولاء للمصالح الشخصية والمكتسبات الذاتية مهما كانت هذه المصالح والمكتسبات إلا مصلحة واحدة هي مصلحة الوطن ومستقبل أبنائه بكل انتماءاتهم وأماكن وجودهم نريد أن يناقش المركز هذه الدوائر المغلقة التي لا يملك مفاتيحها إلا فئة واحدة من الناس، ونريده أن يفتح أبواب الحوار والمناقشة على كل القضايا وليس قضية المذهبية المقيتة التي زادت واستأسدت بعد قيام المركز وتكريس حواراته لها، حتى يعرف المواطنون الذين أنشئ المركز من أجلهم كيف تتم الخيارات بين الناس، وكيف يتم وزن المواطنة، وعلى أي أساس يفضل بعض المواطنين على بعض إن كان هناك تفضيل نريد أن نناقش ثوابت المواطنة التي يتحدث المركز والقائمون عليه عنها من دون أن يشرحوا مفهومهم للمواطنة التي في أذهانهم، ونعرف كيف يصنف المركز هذه الثوابت وكيف يوصي بتقوية الروابط الفاعلة بين الناس لا أظن أن المركز أو القائمين عليه أو قراء هذا المقال يقبلون أن يكون هناك تفاوت بين المواطنين بكل فئاتهم وأماكن وجودهم ولا أظن أن أحدا يقر أي تفاوت قد يشعر به البعض، حتى عقلاء المستفيدين من تفاوت ما، وكذلك أصحاب الامتيازات لا بد أنهم يشعرون بأهمية الضوابط والتقنين لضمان امتيازاتهم وسلامتها، فكيف نعمل على تجسير هذه الفوارق بروح المواطنة الصادقة المخلصة للوطن؟ جواب هذا السؤال سهل جدا، وكل منا يعرفه ويؤمن بأنه الجسر القوي الذي تمر عليه كل مواثيق المواطنة، لكن الصعب جدا: كيف نغلق التحويلات والمخارج أمام الذين لا يريدون العبور على جسر الوطنية الواحد؟ وكيف نقنع الجميع بضرر أي تجاوزات على لحمة الوطن في حاضره ومستقبله؟