تفاعل

محبة الحبيب.. سلوك إيماني

من مفردات الإيمان في الإسلام محبة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وهي قول وفعل، وإحساس وتفاعل، وارتقاء وتلاق.

ارتقاء وتلاق بين أهل السموات وأهل الأرض من المؤمنين في صلاة سماوية أرضية من عمارها على الحبيب صلى الله عليه وسلم.

أخبر عنها من صلى عليه ابتداء، خالقه سبحانه وتعالى قائلا: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) «الأحزاب: 56».

فهاتيك وحدة شعورية وجدانية إيمانية بين أهل السموات من الملائكة المكرمين وأهل الأرض من المؤمنين المحبين في الصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم، من خلال محبة أخبر عنها الحبيب، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) «رواه البخاري ومسلم».

فتلك المحبة الإيمانية النورانية التي تسمو على محبة الأرحام من الوالد والولد.. بل والخلق أجمعين.

فعمر الفاروق رضي الله عنه يخبر الحبيب بمحبته مع استثناء نفسه، بيد أن محبة الحبيب صلى الله عليه وسلم لا استثناء ولا تبعيض ولا تجزئة فيها، فهي محبة من محبة الله تعالى، كيف لا؛ والحبيب صلى الله عليه وسلم في دعائه يقول (اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربني إلى حبك)، فمن محبة المحب لله تعالى محبة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فتدارك عمر الفاروق رضي الله عنه قائلا «والله أنك أحب إلي من نفسي».

فمحبة الحبيب صلى الله عليه وسلم ملكت وشغفت قلوب وعقول وأرواح ووجدان أصحابه من الرجال والنساء سواء.

فتلك أم عمارة رضي الله عنها نسيبة بنت كعب الأنصارية عندما أحاط المشركون في (أحد) بالحبيب صلى الله عليه وسلم، تدفعها المحبة الإيمانية للحبيب صلى الله عليه وسلم، فتتلثم وتمتشق سيفا؛ وتقاتل بين يدي الحبيب صلى الله عليه وسلم فتصاب بأحد عشر جرحا، والحبيب ينادي عليها قائلا (سليني يا أم عمارة، سليني يا أم عمارة)، فتجيب بلسان المحب «سل الله لنا أن نكون رفاقك بالجنة».

فتلك محبة عملية تطبيقية وليست ادعاء وتملقا، قتال بين يدي الحبيب دفاعا عنه، ثم دعاء برفقة الحبيب بالجنة، حقا ذاك الحب الإيماني الصادق السامق الذي أشرق في قلوب وعقول وأفعال وأقوال أصحابه صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء، وكاد هذا الحب النوراني الصادق الفاعل أن يذهب بأرواحهم عندما مات الحبيب صلى الله عليه وسلم، فمنهم من عقد لسانه وفقد النطق، ومنهم من فقد إدراك الزمان والمكان والوعي؛ ومنهم من سل السيف قائلا: من قال محمد صلى الله عليه وسلم مات ضربت عنقه؛ حتى ذكر بقول الحق سبحانه (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم..) «آل عمران: 144».

وتجاوزت محبته صلى الله عليه وسلم محبة البشر له، فهذا «الحجر يسلم على الحبيب، وذاك جذع يئن، وجمل يشتكي صاحبه للحبيب» فتلك منظومة متكاملة متناغمة في محبة الحبيب صلى الله عليه وسلم.

فحري وجدير وحقيق بهذه الأمة أن تسلك طريق الحب الإيماني من مفردات تلك المنظومة من محبة النبي صلى الله عليه وسلم، لتنال شفاعة وشربة لا تظمأ بعدها أبدا، وبقدر الحب تكون المنزلة في القرب من الحبيب؛ يوم لا ينفع مال ولا بنون.

فاللهم نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك.

اللهم أمنن علينا بمحبة حبيبك صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا واتباعا وسلوكا. والله من وراء القصد.