تفاعل

أطفال بلا طفولة

في ذاكرتي كم هائل من طفولتي، من لعبة (الحريم) حين كنت أرتدي ملابس أمي وأحذيتها وأسرق شيئا من أحمر الشفاه دون علم منها، وكانت ترفع نبرة صوتها حين أتصنع النضج وتقول (روحي ألعبي حبشة أحسن لك) إلى دفاتر التلوين وقصاصات الورق، كان للعب تحت المطر متعة ولقصص جدتي وأغانيها سحر، وكان أطفال الجيران أصدقائي في مغامراتي الصغيرة حين كان للجار هيبة. كنت أعيش بلا حذر على ملابسي وشعري، كانت المتعة هي المبدأ.. كنت أرسم وألون وألعب.. كان اجتماعنا العائلي بالنسبة لي عيد فرحة لا تضاهيها فرحة، كانت طفولتنا تعم بالأصوات والألوان، أما الآن فهي صامتة بلا روح تهيمن عليها التقنية، أصبح الطفل متصلبا أمام شاشة (الايباد) لساعات، ولا يستجيب، وإذا انتهت بطارية جهازه يبكي بكاء يصيبك بالذهول، ويكون السؤال الأول حين يزور أقاربه أو أصدقاءه (عندكم WiFi).

ومن المحبط جدا أن بعض الآباء يعطي طفله الحرية التامة في إظهار حياته الخاصة، وتصويرها بصورة نمطية سيئة تسبق عمره بمراحل. أصبح الأطفال يرتدون عباءة التصنع ومحاكاة الشخصيات العامة أو كما يقال (مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي).

أصبحت الأم توبخ ابنتها ذات الأعوام السبعة كي تلتقط لها صورة مع منتج معين، أو أن تتصرف كشابة في العشرين وتزينها وكأنها عارضة أزياء، لا تتحرك ولا تأكل، وتضع طفلتها تحت ضغط نفسي شديد، وأخرى تضع طنا من الماكياج والرموش الصناعية والتصوير في صخب الأغاني التي لا تمت للطفل بصلة. من المخزي أن يكون الطفل سلعة لدى والديه يشكله كما أراد الممول.. والعجيب في الموضوع أن آباء هؤلاء الأطفال لا يعيرون انتباها إن تغيب طفله عن المدرسة من أجل إعلان أو مهرجان بزعم أنه من التحضر مواكبة العصر وتطوراته!

على الرغم من أوهامهم بالفائدة الكبيرة لطفل التقنية إلا أنه سيؤثر سلبا على الجانب المعرفي للطفل من ناحية التعليم، وقد يصبح الطفل منعزلا اجتماعيا، وبالتالي ضعيفا في القدرة على التواصل المباشر، ويصبح حبيس صورة أو مقطع فيديو.

هل الخطأ في المفاهيم أم في التربية؟ أو أن جيل الآباء الجديد يسد ثغرات ماضيه؟ أم الخطأ في الوقت؟ أو أنها عوامل التعرية لهذا الزمن؟

كنت أحزن حين توبخني أمي حين أتصنع النضج؛ الآن فقط استوعبت أنها كانت تريدني أن أعيش مراحل عمري طفولة شقية لطيفة، ومراهقة وفضولا وأسئلة، وشبابا ناضجا واعيا، لا دمية تحركها الظروف.