تفاعل

الألف قبل الياء

فارس محمد عمر
أشق جيبك نازعا بيدي شيئا من المال وتشكوني إلى آخرين، فإن قالوا لك: استح واعتذر فقصده التصدق بمالك، أفلا تعجب؟ أعطي مريضا ترعاه في بيتك أدوية وآخذ غيرها سرا، وتغضب مني وأصيح بك، فإن قيل لك إن الحق معي لا معك، أفلا تبهت؟ خلط بعضنا الأسس وطلب وجهة دون طريق، كمن يبتلع العجين قبل خبزه ويصلي بنصف وضوء، يريد الياء قبل الألف! المرة والمرتان والثلاث قد تغفل وتنسى، إلا التكرار والإصرار.

«ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك»، من قالها ولمن؟ ويأبى بعضنا إلا الزعم أن نيته -التي لا يعرفها إلا خالقه - المصلحة والخير، ليبرر هياجه أو تلونه أو إمعانه فيما لا يعنيه، متخذا الغموض والمباغتة أساليب علاقاته، وإن آذى من تربطه بهم وشائج القربى والصداقة والزمالة. المقاصد الجميلة والأهداف النافعة أدعى أن نحققها بأسلوب يناسبها ويحسن وصولنا إليها ويبث الثقة والطمأنينة والحب، أما الطوارئ والاستثناءات فلا حكم لها.

الذي يكرر كلمة «الثقة في النية» مدافعا عن رعونة وغرابة وتسلط، لا يعي حقائق من طبيعة بشريتنا، واختلافنا عن الملائكة هو الخطأ والنسيان والإهمال، إذا أغفلنا الحسد والبذاءة والعجب. هذه رسالة من إنسان إلى ذاته وإلى أعزائه وأحبته وإخوته في الدين واللسان والوطن: فلنطفئ أتون التنافر واللغط والضياع بغيث الأسلوب الصائب والتفاهم اللطيف، فالغاية مهما صلحت، والنية الدفينة مهما طابت لا تبرر وسيلة فاسدة شاذة ولا غياب الوسيلة. أكثر ما يحصل ليس مشكلات عويصة الحلول وإنما أساليب خاطئة، فلننبذها ليصفو عيشنا ونجد أننا في نعم كثيرة بحمد الله.

كن ريق البشر إن الحر همته

صحيفة وعليها البشر عنوان