تفاعل

البلاستيك.. فوائد وأخطار تهدد الصحة والبيئة

تعد مادة البلاستيك من أكثر المواد الصناعية شيوعا، وهي الأكثر استخداما في كثير من المجالات الصناعية، وتستخدم في الصناعات الغذائية بصورة كبيرة في مواد التغليف. وكما أن هنالك منتجات من المواد البلاستيكية سهلة الاستخدام مثل الأكياس البلاستيكية التي باتت جزءا مهما في حياتنا اليومية، ولكن من يدري أننا قد نحمل في أيدينا ما يهدد حياتنا وصحتنا.

ورغم مميزاتها المختلفة كرخص ثمنها وخفة وزنها وقابليتها للتشكيل لتتلاءم وأغراض استخدامها إلا أن معظم مخلفاتها لا يمكن التخلص منها بسهولة، فتصبح عبئا كبيرا على النظم البيئية. فالمواد البلاستيكية تأخذ وقتا طويلا قد يستغرق مئات السنين للتحلل، فتتراكم فوق بعضها البعض وتشكل على المدى الطويل مشكلة كبيرة على البيئة والصحة.

الدراسة التي أجرتها وحدة الدراسات والتطوير بأمانة العاصمة المقدسة بالمردم العام للنفايات بمكة المكرمة أكدت على أن استهلاك المواد البلاستيكية بمكة المكرمة زاد بمعدلات كبيرة.

فلقد قامت وحدة الدراسات والتطوير بوحدة الخدمات في أمانة العاصمة المقدسة بدراسة في أبريل 2017 لتحديد مكونات النفايات الصلبة الواردة للمردم العام للنفايات. حيث تم فرز مكونات 190 طنا من النفايات الواردة للمردم العام بمكة المكرمة من كافة الأحياء والمناطق التجارية. وقد تم

تقسيم مكة إلى 11 منطقة واختيرت 32 عينة بصورة عشوائية من المناطق السكنية والتجارية.

وجاء من نتائج الدراسة أن نسبة المواد البلاستيكية في مكونات النفايات هي 24%. وهذا يشير إلى زيادة كبيرة في استهلاك المواد البلاستيكية بمكة المكرمة. فلقد تضاعف استهلاك المواد البلاستيكية عدة مرات خلال العشرين عاما الماضية، فالدراسة التي أعدها مركز فقيه للأبحاث والتطوير في عام (1997) وجدت أن نسبة المواد البلاستيكية في مكونات النفايات لا تتجاوز 6%. ويلاحظ أيضا أن النسبة الأعلى في مكونات البلاستيك هي أكياس البلاستيك التي تمثل حوالي 70% من النفايات البلاستيكية.

ولعل التطور الكبير والمتنامي في صناعة المواد البلاستيكية بالمملكة، أدى إلى توفر المواد البلاستيكية وبأسعار رخيصة. وكما ساهمت الزيادة في أعداد السكان والزيادة في معدلات الدخل إلى ارتفاع كبير في معدل الاستهلاك من المواد الغذائية الشيء الذي أدى إلى ارتفاع في استهلاك المواد البلاستيكية بصورة عامة وأكياس البلاستيك بصفة خاصة.

ولقد أشارت الدراسة التي قامت بها مستشارة الجودة بالهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس الأستاذة غادة الكليب إلى أن المملكة العربية السعودية تعتبر من أكثر دول العالم استهلاكا لأكياس البلاستيك، وأن استهلاكها يزداد بشكل سنوي.

وهذا ما أكده التقرير الحديث الصادر عن شركة معارض الرياض REC حول البلاستيك والكيماويات بالمملكة، الذي جاء فيه أن المملكة لديها أعلى معدل استهلاك للفرد من أكياس البلاستيك في الشرق الأوسط بمعدل 40 كجم للشخص الواحد سنويا. وهو يشكل ضعف الاستهلاك العالمي من أكياس البلاستيك، الذي حددته منظمة الصحة العالمية بحوالي 24 كجم للفرد خلال العام. كما إن المملكة تعتبر الأكثر استهلاكا للمواد البلاستيكية بين دول مجلس التعاون الخليجي، حيث إن حصة السعودية 70% من كمية البلاستيك المستهلكة بدول الخليج، حيث قدر استهلاك دول التعاون الخليجي بـ8% من إجمالي الاستهلاك العالمي للبلاستيك. وتشير التوقعات إلى أنه وبحلول العام 2020 فإن الاستهلاك العالمي للبلاستيك سيتخطى حاجز الـ540 مليون طن.

وأضرار البلاستيك على البيئة المحيطة وعلى صحة المجتمع لا تعد ولا تحصى. ولعل من أكثر المواد خطورة على الصحة مادة الديوكسين ومادة البيسفينول اللتين تدخلان في تركيب المواد البلاستيكية بنسب متفاوتة وتصنفا من المواد المسرطنة.

فلقد جاء عن منظمة الصحة العالمية أن الديوكسينات من المواد الشديدة السمية وبإمكانها إحداث مشاكل إنجابية وأضرار بالجنين خلال مراحل تكونه، وإلحاق أضرار بالجهاز المناعي واختلال في وظائف الكبد، وخلل في إنتاج الهرمونات والتسبب في الإصابة بالسرطان.

وكما أن مادة (البيسفينول أ) التي تدخل في صناعة القوارير الكبيرة مادة سامة، فلقد أعلنت كل من كندا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عن خطورة هذه المادة وعدم استخدامها في رضاعات الأطفال عام 2010. وهذا ما أكدته مديرية صحة البيئة بالأردن بأن الاستخدام المتكرر للقوارير الكبيرة يؤدي إلى الإصابة بالسرطان، وكما حذرت من أن الاستخدام المتكرر لقوارير المياه الصغيرة أو تعرضها الزائد للحرارة قد يؤدى إلى انتقال بعض المواد الكيميائية المسرطنة إلى المياه.

ونجد أن نقل أو حفظ الأطعمة والمواد الغذائية في الأكياس البلاستيك أو النايلون يشكل خطورة على الصحة، خاصة إذا كانت هذه الأطعمة ساخنة. وفى دراسة للمركز القومي للبحوث بمصر جاء فيها أن الأكياس السوداء هي من أكثر أنواع الأكياس تأثيرا على الصحة، فاستخدامها يؤدي إلى الإصابة بأمراض خطيرة، أهمها السرطان والزهايمر والضعف الجنسي.

ولذلك نجد أن دول الاتحاد الأوروبي وبعض الولايات الأمريكية والعديد من دول العالم، وبعض الدول العربية كالمغرب وتونس والسودان اتخذت إجراءات صارمة للحد من استخدام أكياس البلاستيك لأضرارها الكبيرة على البيئة والصحة، ودولة الإمارات العربية حظرت استخدام الأكياس البلاستيكية واستبدلتها بأكياس صديقة للبيئة قابلة للتحلل.

ولا يختصر أضرار المواد البلاستيكية على صحة الإنسان وإنما تمتد آثارها السالبة على التربة والمياه الجوفية والحياة البرية والحياة البحرية. فلقد اتضح أن دفن المواد البلاستيكية يعمل على تحلل بعض المواد الكيميائية الخطرة الداخلة في تركيبها إلى التربة والمياه الجوفية مما يعمل على تلوثها. وكما إن أكياس البلاستيك المبعثرة والمنتشرة في المراعي والأرياف تبتلعها بعض المواشي كالجمال والأبقار والأغنام مما قد يتسبب بانسداد القناة الهضمية وموتها. وتأثير المواد البلاستيكية امتد حتى للبحار، فملايين الأطنان من المواد البلاستيكية ينتهي بها المطاف إلى قيعان البحار والمحيطات مما يتسبب في أضرار كبيرة على الأحياء البحرية ومصائد الأسماك والسياحة، ولذلك أطلقت الأمم المتحدة حملة في فبراير 2017 للقضاء على المصادر الرئيسية للنفايات البلاستيكية بعام 2022.

وكذلك فإن انتشار الأكياس البلاستيكية بشكل عشوائي في الشوارع وفى الحدائق والمنتزهات وعلى الشواطئ يؤذي الناظر عند مشاهدتها نتيجة لتنافرها مع ما حولها من عناصر أخرى، فتشوه البيئة فتؤدي إلى ما يسمى بالتلوث البصري.

وهنالك عدة طرق يمكن أن تساهم في تقليل كميات الأكياس المستهلكة وهي:

1- إطلاق حملات لتوعية المواطنين، ومبادرات تهدف لتحفيز المنشآت المختلفة والأفراد على ابتكار برامج وآليات تعزز حماية البيئة والتقليل من استهلاك المواد البلاستيكية أو استخدام أنواع صديقة للبيئة.

2- وضع قيمة مالية للأكياس وذلك ببيعها بدلا من إعطائها مجانا.

3- استخدام الأكياس القابلة للتحلل، فلقد أعلنت الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس في ورشة العمل بتاريخ 2/‏6/‏2017 عن اللائحة الفنية للمنتجات البلاستيكية القابل للتحلل لتدخل حيز التنفيذ خلال هذا العام.

4- تشجيع مشاريع التدوير من النفايات البلاستيكية. فأكياس البلاستيك من النفايات الهامة التي يمكن إعادة تدويرها بتقنية بسيطة متوفرة لإنتاج الوقود الغازي والسائل، مما يساهم في تقليل الآثار البيئية السالبة للنفايات البلاستيكية، والاستفادة منها اقتصاديا بمشاريع تخدم البيئة والمجتمع.