انج سعد فقد هلك سعيد

مثل عربي قديم ذكرته وأنا أقرأ شيئا يشبه هذا المثل عندنا وليس في كلامي تورية ولا ضرب للأمثال لكنه كلام مباشر لا خفاء فيه، إن الشبه هو أحد المثقفين في بلادنا التي تمد خطوها وتبدأ إلى مشروع الثقافة العالمية والمحلية لتنال حظها غير منقوص الجانب، وهو شاب مثقف وهب قدرة يحس بها جمال اللغة فيشرق معنى الإحساس في حوائجه الخضراء ويملأ عليها وجدانه المرهف وخياله الشاعر فينظم ذلك في جمل لا يدرك دلالتها كثير من الناس،

u0636u0648u0626u064au0629 u0644u0644u0645u0642u0627u0644

مثل عربي قديم ذكرته وأنا أقرأ شيئا يشبه هذا المثل عندنا وليس في كلامي تورية ولا ضرب للأمثال لكنه كلام مباشر لا خفاء فيه، إن الشبه هو أحد المثقفين في بلادنا التي تمد خطوها وتبدأ إلى مشروع الثقافة العالمية والمحلية لتنال حظها غير منقوص الجانب، وهو شاب مثقف وهب قدرة يحس بها جمال اللغة فيشرق معنى الإحساس في حوائجه الخضراء ويملأ عليها وجدانه المرهف وخياله الشاعر فينظم ذلك في جمل لا يدرك دلالتها كثير من الناس، وقد استعمل عقله وسخر ملكات الإبداع لديه للغوص في ثقافتنا العربية الأصيلة واحتضنته جامعاتنا، ولم يرغب أن يحتوي عقله وفكره حضارة غربية ولا اختار جامعة أجنبية، ولو شاء لكان له مثل أبناء جيله الذين تعددوا في رحاب واسعة من العالم واتصلوا بجامعاته ومراكز ثقافته. هذا الشاب العارف بوظيفته الكلمة الفنية، قال رأيه ناقدا في مجال الأدب وكاتبا في الصحافة وشاعرا وناثرا وله أن يقول ذلك فهو قادر على الإبداع ولنا أن نرفض ما يقوله أو نقبله. وقد قرأت لسعيد قبل أن أراه ورأيته ولم ألقه واستمعت إليه ولم أدخل في نقاش معه، كان يكتب ما يعجب القراء وينظر فيما يكتب أشد الناس انصرافاً عن مبدأ النقد والأدب، وكان فيما يطرح مثقفا ومحاورا جيدا يثير الحسد في نفوس أهل الصناعة. وكان ما يرضيني عن الرجل ثقافته العربية الواسعة والواعدة بنتها جامعاتنا الوطنية ونشأت على أرضنا المقدسة ولم يكن لها مصدر غير مصدر ثقافتنا الخالدة فأكبرت جهده، وكنت أستشهد بسعيد كلما قال القائلون: إن الجامعات العربية ومناهجها لا تخرج المبدعين ولا ترعى مواهب الموهوبين، وإن كل مبدع في البلاد العربية كان لثقافته ولإبداعه مصدر يبتعد به عنا فهو خريج إحدى الجامعات المشهورة في الخارج، وعندما أغضب من هذا الادعاء وأقلب صفحات عن أسماء لامعة في ثقافتنا الحاضرة لا أجد حجة أدحض بها ما يقول القائلون في سعيد. ولعل هذا سر رضاي عنه مع اختلافي معه، فهو أول أستاذ نقرؤه ونحتج به ونجعله شاهدا على أن جامعاتنا ترعى الإبداع وفي مناهجها تعميق للأصالة لكن الفرحة لم تتم والحجة به لم تقو فظهر في الأفق خطر الحرمان، وبدأنا نسمع ما لا نصدق، وهل يصدق أحد أن يحرم الرجل ثمرات عقله وملكات إبداعه، وأن مؤسسة علمية تحافظ على مبدأ الأمانة والعدل يصح أن تستثمر جهوده وعقله حتى ينضج ثمر غرسه ثم تحصده بين يديه وتذره مع عواصف الريح. من حقها ومن حقنا أن نرفض رأي الرجل في النقد ورأيه في البلاغة العربية وندحض كل حجة أتى بها بالحجة الأقوى، لكن ليس من حق أحد أن يحرق مكتسبات الآخرين الذهنية والفكرية وملكاتهم الإبداعية إذا كان رأيه لا يتفق مع ما يرون في قضايا الأدب والشعر والنقد والبلاغة، وإذا خيل إلينا أن سعيدا شهر علينا سيفا فمن حقنا أن نجرد سيوفنا ونستعين بالملايين من أمثالنا على أن تكون من نوع السيف الذي رفعه الرجل وهو سيف النقد الأدبي في وجوهنا ثم نناجزه حتى يتحقق العدل والمماثلة.. وليس فينا ضعيف عن مقارعة الحجة بأختها وسوف ننتصر إذا كان الحق معنا، أما استعمال القوة الإدارية البعيدة عن العلم والموضوعية فهي لا تليق بالمؤسسات الأكاديمية والتربوية. إن هذه البلاد حفظها الله وحفظ أهلها وحفظ القائمين عليها لم يسبق أن جعلت الحرمان نصيبا لأحد من أبنائها، ولم يذكر في تاريخها أنها سلكت غير مسلك العدل، إنني لا أعرف سعيداً هذا معرفة شخصية ولا أتفق معه في كل شيء، بل إنني أقف منه مثل موقف الآخرين، لكن هناك تقاليد علمية ومبادئ نتفق عليها، وهناك أسس نؤمن بها ولا نريد أن يختل الميزان العادل فيها. إن الدرجة العلمية التي استحقها الرجل بعلمه وانطبقت عليها المقاييس المنهجية كاملة، ومنحتها له هيئات أكاديمية مسؤولة لا يجوز لأحد أن يحرمه منها، ولو تم الحرمان لكان بداية مؤسفة في تاريخ جامعاتنا كلها. ونحن مع ذلك نحترم آراء شخصيات لها في نفوسنا موقع عظيم ولها في جامعاتنا مكانة رائدة ونحن متأكدون أن ريادتها ومكانتها العلمية تتسعان للرأي والرأي الآخر في حدود أدب الإسلام وسلوك المسلم ومقاصد الشريعة وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.

مرزوق بن تنباك - مقال نشر في صحيفة الرياض 2 جمادى الآخرة 1409