تفاعل

كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم

من الله عليه بوظيفة مرموقة، رفعت مركزه، وأشهرت شخصه، وها هو يخطو بخطوات مستثقلة، يملؤها الاستعلاء على من حوله، أو من يراجعه، أو من هو تحته، فكأنه الأوحد في زمانه، العبقري في أفكاره، القادر على ملء هذا المنصب وتسييره، فيدفعه مركزه على من تحته إلى تلك الصفات التي اعتبرها علامة لتميزه وتملقه على غيره، هذا غير عبسه في وجوه من يقابلهم، ومؤاخذته لهم بسوء ما فعلوا، فلا يغفر عثراتهم، ولا يتجاوز عن أخطائهم، جازرا غيره، مؤخرا من كان أمامه عما جاء له، فلا يناقشونه خوفا من بطشه وجبروته.

فصعلوك الأمس القريب أشبه بفرعون إن لم يكن خليفته، متناسيا أحواله الماضية الناقصة، وما كان عليه من قبل من بؤس وشقاء وقلة حيلة. فكان من بؤسه يؤشر بيديه على قارعة الطرق لمن يوصله بلا مقابل، يجوب المدن بحثا عن وظيفة تسد رمقه، وتستر عورته، متوددا لمن يقابلهم شاكيا باكيا لهم أحواله، يجرى اتصالاته متضرعا للشفاعة أو واسطة عند فلان وعلان، هذا غير التجائه إلى ربه بتسهيل أموره.

فمن كان له ضمير وحس بالإنسانية، فليعتبر بما كان عليه بالأمس، مستشعرا توسلاته لغيره، وعجزه عن تسيير أموره، وأن يغير ما به من غلظة إلى سماحة، ومن عبس إلى بشاشة، ومن تأخير إلى تعجيل، وأن يتلطف بالخطاب، ويتحلى بالآداب وأن يترفق في أسلوبه، وفي خطابه، ويتأنى في إصدار أحكامه، معتذرا للخلق فيما يجوز فيه الاعتذار.