الرأي

القصة نفسها تتكرر بسيناريوهات مختلفة

رهام فراش
يحدث عقد الزواج وسط زخم الشكليات والسطحية دون الالتفات لجوهر الأمر والأساس الصحيح له. تعتقد الفتاة أنها أخيرا ستستقل عن أسرتها وتحقق كل قائمة المحظورات التي كانت مفروضة والأحلام الوردية المؤجلة! تنتظر فارس الأحلام الذي يملك العصا السحرية التي ستحولها من سجن الوالدين لفضاء الحرية!

ويظن الشاب أنه سيتزوج من نسخة مصغرة لوالدته وتتبع ذات المنهج في الاهتمام بكل التفاصيل التي تربى عليها، وأنه سيصبح «سي السيد»! ويتعامل كلاهما بهذه البرمجة ولا يأخذان في الاعتبار الفروقات في الثقافة والتربية والطباع.

مع الأسف الأغلبية تتعامل مع مشروع الزواج بطريقة المحاولة والخطأ دون الاستناد على خلفية معرفية أو منهج علمي في طرق التعامل الصحيحة مع الاختلافات بين طبيعة الرجل والمرأة، ويسود العلاقة جو من العشوائية والتخبط والحيرة التي لا تؤدي إلا لبناء سد عال من البرود في المشاعر وفقد التوافق والسكينة والاستقرار شيئا فشيئا.

تتراكم الملفات التي تركت دون حسم أو نقاش أو حل في درج مغلق مع الأيام يمتلئ ولا عود هناك مساحة شاغرة للمزيد.

وهنا يبدأ مسلسل التدهور في العلاقة الذي تختلف فيه القصص الحزينة بين من يختار الصمت والهروب وعدم المواجهة حتى تتحول العلاقة لكهف بارد مهجور لا تزوره شمس دافئة وسجن قضبانه تتكون من أشياء صعب جدا خلعها طلبا للحرية!

بعضهن اخترن البقاء في سجن الزوج لا حبا فيه إنما تضحية لأجل الأطفال وحمايتهم من مستنقع الزعزعة النفسية بسبب الانفصال وما يترتب عليه من كوارث!

وصنف آخر آثرن البقاء لعدم قدرتهن العودة لبيت أهاليهن بعد أن جربن حياة الاستقلال، ولأن الوالدين ضد مبدأ الطلاق بحجة الفضيحة وتحسبا لنظرة المجتمع السلبية وألسنته التي لا ترحم. وأخريات لا تملك -وإن عادت لأحضان- الأهل الكفاية المادية، ولن تملك إلا أن تتحمل سجنها لأنه مدفوع التكلفة مشمول السكن والإقامة والإعاشة!

ومن تمردت منهن على الإقامة الجبرية ونالت حريتها بالانفصال تكون حظيت بشيء من الاستقلال المادي والمعنوي الذي يكفل لها استكمال حياتها، أو بأسرة متفهمة تحاول أن تساعدها على ترميم ذاتها التي تهشمت من الداخل بفعل علاقة فاشلة، وللأسف هؤلاء أقلية!

الأغلبية صامتة تعيش دوامة من الحزن والصراع ينعكس على جيل مزعزع نفسيا من الأبناء، وظواهر وانحرافات سلبية لا يحمد عقابها.

نحتاج وقفة جادة تنظر لحقيقة المشكلة تحليلها وإشباعها بحثا ودراسة ونشر الوعي بنتائجها، لا نريد مجرد إحصائيات للطلاق والعنف والجريمة دون حلول جذرية! فلم يعد الأمر مزحة أو مجرد ظاهرة عابرة، إنه حقيقة تكبر ككرة الثلج.

ومجتمع ليس فيه نواة صحية لأسرة متماسكة مستقبله لن يكون بحجم التوقعات وشعارات الإنجاز والنهضة.