الرأي

قيادة المرأة للسيارة.. وتنظيمات وقوانين رائدة

فاتن محمد حسين
لقي الأمر السامي الكريم بالسماح للمرأة في السعودية بقيادة السيارة ترحيبا عالميا كبيرا، حيث بثت محطات التلفزة العالمية الخبر في سرعة البرق لاعتبار أن القضية قد شغلت الرأي العام العالمي! بينما هم يتغافلون عن إنجازات المرأة السعودية كعالمة، وفي خوضها للعمل في: الطب، والتمريض، والتعليم، ودخولها لمجلس الشورى، والمجالس البلدية، وفي الغرف التجارية، وكونها سيدة أعمال تدير شركات. وقد سخرت بعض القنوات لاعتبار أن السعودية آخر دولة في العالم تسمح للمرأة بالقيادة، فالحمد لله أنه لم يعد هناك ما يشغلهم بنا! وقد ألجم هذا القرار الأصوات النشاز التي كانت تدين المملكة بعدم إعطاء المرأة حقوقها، وكأن الحقوق كلها تنحصر في القيادة!

وفي الحقيقة لقد جاء القرار في وقته المناسب وذلك بعد دراسات وسجالات مطولة في مجلس الشورى، وكذلك في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني والذي قام بإعداد استطلاع للرأي للمجتمع عن مدى موافقته لذلك القرار - وبالفعل كانت نتائج الاستطلاع مؤيدة لقيادة المرأة للسيارة، وقله هي (الرافضة) وأخرى (متحفظة).. وهذه القلة الرافضة للأسف لم تكن تعتمد على نصوص شرعية، بل على مبدأ سد الذرائع.. في حين أن تقديم المصالح مقدم على سد الذرائع.

وهناك احتياج فعلي كبير في المجتمع لقيادة المرأة للسيارة؛ فليس كل سيدة تسمح إمكانياتها باستقدام سائق، بل لقد كانت المرأة قبل أكثر من 50 عاما في البادية تقود دابتها وتقضي حوائجها، وحاليا في الأرياف تقود السيارة «الوانيت» للعمل في الزراعة والفلاحة والتنقل.

وإذا كانت جميع النساء في العالم يقدن السيارة من القرن التاسع عشر، وفي مصر من عام 1920 السيدة عباسية فرغلي، وجميع الدول العربية والخليجية، فهل المرأة في السعودية أقل ثقة من هؤلاء؟

المشكلة أن البعض من المتخوفين ينظرون فقط إلى الجانب السلبي وبسوداوية مطلقة لا مبرر لها (بأن وحوش الطرق سيفترسون النساء).

فأي منطق هذا الذي يصور الرجل السعودي بأنه وحش كاسر ينتظر لحظة للانقضاض على المرأة! في حين أنه عموما شهم، ومحترم، ونشمي في المواقف، لا ندعي أننا شعب ملائكي، ولكننا من أفضل المجتمعات في المحافظة على القيم والأخلاق، ومعظم مفاسد المجتمع كانت من عمالة وافدة وأخرى سائبة، كما أن هذه السوداوية لا مكان لها طالما نحن نعيش في دولة هي حارسة للقيم الشرعية؛ حيث ما حمله خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- : « بأن الدولة تعتبر المحافظة على القيم ورعايتها في قائمة أولوياتها ولن تتواني في اتخاذ كل ما من شأنه الحفاظ على أمن المجتمع وسلامته».

وهذه لم تكن أقوالا فقط، ولكنها وعود ستأخذ إجراءات تنفيذية جادة، حيث سيكون تطبيق القرار في 10/10/1439هـ، ومدة تسعة أشهر كافية لوضع البنى التحتية للقرار، وأهمها دراسة الترتيبات اللازمة من لجان على مستوى عال من: وزارة الداخلية، والمالية، والعمل والتنمية الاجتماعية. بل إن وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز قد أكد أن «قيادة المرأة للسيارة سيحول سلامة المرور إلى ممارسة تربوية تؤدي للحد من الخسائر البشرية والاقتصادية الناجمة عن الحوادث». ومعنى ذلك وضع أنظمة مرورية دقيقة تحافظ على سلامة الفرد والمجتمع، والمرأة بطبعها شديدة الحذر والدقة في الأداء وستكون في قيادة السيارة كذلك.

كما أمر خادم الحرمين الشريفين سلمان العزم والحزم بإقرار (قانون ضد التحرش) وهو يحافظ على حقوق كلا الجنسين رجالا ونساء؛ فتطبيق قوانين ضد التحرش مهمة جدا لتكون كدليل إرشادي في كيفية التعامل مع القضايا، وسيسهم في تهيئة المجتمع فكريا، ونظاميا وقانونيا مما يسهل عمل القضاة في المحاكم، واعتبار أن التحرش جريمة تتدرج في مستوياتها وعقوباتها.

وقد أكد (حقوقيون)اعتبار أن السفور والتبرج والظهور بمظهر يخدش الحياء ومخالفة للآداب العامة هو من التحرش السلبي المضاد وله عقوبات رادعة لأنه يشمل سلوكيات محفزة للوقوع في جريمة التحرش، وتؤدي إلى تفشيها في المجتمع.

كل هذه الإجراءات التنظيمية وغيرها كثير مما ستأخذه الدولة في الاعتبار هو لحماية الأمن في المجتمع، وبهذا نحقق مكاسب اقتصادية واجتماعية وسياسية؛ لأن رؤية 2030 تتطلب ضخ مليون سيدة للعمل، ورفع النسبة من 22% إلى 30% وهؤلاء سيكون السماح لهن بالقيادة انطلاقة للعمل الجاد.

إن صدور القرار الثلاثاء 6/1/1439 يجعله قرارا تاريخيا استثنائيا وما يتبعه من إجراءات تجعلنا أكثر تفاؤلا بأن الشوارع ستكون أكثر أمنا مع قيادة المرأة للسيارة.

Fatinhussain@