تفاعل

الحراك مع أو ضد

يعرف الحراك بالنشاط المطرد ويأتي على أوجه متعددة يكتسب منها معناه الفعلي، فقد يكون لتحقيق هدف معرفي في التوصل إلى معلومات من مصادر عديدة، كما هو الحال في المجالات العلمية والبحثية، ويعمل الحراك على التشخيص والمساهمة في علاج المشكلات عن طريق توفير البيئة المناسبة لتلاقح الأفكار بين المختصين وأصحاب الخبرات؛ ويأتي الحراك في مجالات متنوعة ويتسم بالمرونة والوضوح، ومن أهم ما يميز الحراك تنوع المصادر وسعة الأفق؛ وما يحدث من أنشطة أخرى لا تتوافر فيها هذه السمات من الممكن أن تكون أي شيء آخر عدا الحراك بمفهومه العلمي، حيث لا يمكن تصور حراك جامد غير واضح المعالم ليس له مصادر معينة؛ وما حدث من دعوة البعض عبر وسائط التواصل الاجتماعي لما وصفوه بحراك 15 سبتمبر؛ كان بسبب أن خبرة التجارب السابقة دعت منظميه إلى ضرورة البحث عن مصطلحات بديلة غير مباشرة تكون أقل وطأة على المجتمع من إثارة الفتنة والخروج على ولي الأمر، مع أنها تحمل نفس الفكر والتوجه. ووفقا لنظريات علم النفس فإن اللجوء إلى تغيير المسميات وتبديل المصطلحات يدل على وجود خطأ معين، وفي أدبيات الشرع فإن الإثم ماحاك في النفس وكره مرتكبه أن يطلع عليه الناس؛ الأمر الذي يجعل العقلاء يرفضون مثل هذه الأنشطة التي تقوم على الإثم والخطيئة، فضلا عن وجود تناقضات في محتوى ما تدعو إليه؛ ففي الوقت الذي يتم فيه الحديث عن تطبيق الجوانب الشرعية؛ تتم الدعوة إلى الخروج على ولي الأمر مع أن الشرع لا يستقيم دون وجوده، ولا يجوز شرعا الخروج عليه وهو المقيم لأركان الإسلام، إضافة إلى وجود مغالطات متكررة وتقديم صورة مجتزأة مبالغ فيها لا تعكس الواقع عن مشكلات مجتمعية مثل البطالة وقضايا الصحة والتعليم والإسكان، وإغفال ما تقوم به الحكومة من جهود في معالجة تلك المشكلات والحد من آثارها وإتاحة الفرصة للاعتراض عليها كتطبيق لسياسة الباب المفتوح التي يتمكن من خلالها المواطن من مقابلة أعلى مسؤول، وكذلك إمكانية المشاركة في تقييمها عبر وسائط متعددة دون منازعة الحاكم في صلاحياته التي وهبها له الشرع لحماية مصالح الأمة وتحقيق الأمن والاستقرار وفق ما تقتضيه البيعة على السمع والطاعة؛ وهو ما لا يؤمن به من ينادي بمثل تلك التجمعات حيث تبدو بعض المطالبات دون اعتبار للأدوار والمسؤوليات التي تنبثق من طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم؛ والتي لا يخلو منها أي نظام في العالم؛ كالنظر في قضايا أمن الدولة ذات البعد السياسي والدولي يكون محلها التحقيق والقضاء من مختصين وخبراء وليس في الشوارع والميادين العامة مع عامة الناس.

أخيرا، يبدو أن ما يعلن من أهداف تلك التجمعات حول تحسين نوعية الحياة وتجويد الخدمات هي مجرد شعارات؛ لأن جهود التطوير فعليا ملموسة في الواقع، ويستطيع أي شخص وهو في منزله تقديم ملاحظاته حولها والمساهمة في تقويمها بطرق مختلفة؛ دون الحاجة إلى الخروج في مظاهرات واعتصامات تثير الفتنة وتعمل على اختلال الأمن وشيوع الفوضى؛ الأمر الذي يعمل على إعاقة التنمية وهو ما لا يتسق مع ما أعلن من أهداف وردية، بل يعمل على تحقيق أهداف خفية تستغل الظروف المختلفة في إيجاد بيئة مناسبة لتحقيق مطامع خارجية في إدارة البلاد والعباد على حساب الوطن والمواطن.

وقفة: عندما يستطيع أي شخص في مجتمع ما أن يتواصل مع أدنى مسؤول وأعلى مسؤول بمن فيهم رأس السلطة؛ هل سيكون «الحراك» مع أو ضد ذلك؟