حوار مع سائق تاكسي
الجمعة / 24 / ذو الحجة / 1438 هـ - 19:45 - الجمعة 15 سبتمبر 2017 19:45
وأنت في القاهرة لا تحتاج أن تعدل مزاجك في منطقة مخصصة للمدخنين، فجميع الأماكن تقريبا متاحة أن تشعل سيجارتك وتنفث دخانها دون اكتراث لمخالفة مترتبة على ذلك أو تذمر لأحد المارة، يبدو أن الكل هنا يقدس المزاج العالي ولا يعبث في تعكيره!
وقد لفت نظري أمر في منتهى العملية والجمال حين احتجت أن اشتري علاجا من الصيدلية، خيرني الصيدلي بين أن أبتاع علبة الدواء كاملة أو أكتفي بشريط واحد فقط.
وفي هذا الأمر توفير ووعي ومسؤولية، فكم من الأدوية متكدسة في بيوتنا دون الحاجة لها ويكون مصيرها بعد فترة من انتهاء صلاحيتها مكب النفاية.
فلا نحن انتفعنا بها ولا تركناها لمن يحتاجها، بل وأصبحت في مثواها الأخير عبئا على البيئة، حيث إننا لم نتمكن إلى اليوم من الوصول لحلول وممارسات عملية لفصل النفايات وإعادة تدويرها والاستفادة منها!
وأنت في القاهرة يمكنك أن تطرب لصوت منبهات السيارات بسبب وبدونه، الجميع يعشق «البوري، الكلاكس» ويستخدمه بمتعة في الشوارع دون حسيب أو رقيب وكأنه يود أن يثبت وجوده في واقع مكتظ بالسكان دون فروقات حقيقية بينهم إلا القلة القليلة. فالأغلبية تركب سيارات متهالكة وتعيش براتب شهري بالكاد يسد الحاجة!
وعلى صعيد السياحة، عادت الأمور تنتعش شيئا فشيئا بعد أن مرت مصر بفترة اضطراب أمني. والجميل أن الأماكن السياحية العامة والأسواق والفنادق تحتوي على ماكينات للصرف الآلي تتوفر فيها خاصية استبدال نقدي للعملة، مما يوفر عناء وجهدا ووقتا للسائح للبحث عن أماكن للصرف والتحويل من نقاط معينة. وأتمنى أن نرى ميزة مشابهة في بلاد الحرمين كونها عامرة بالحجاج والمعتمرين طوال العام.
ومن الأشياء الممتعة جدا في مصر مشوارك مع سائق التاكسي سابقا، أو مع كابتن أوبر وكريم حاليا. الحوارات بينك وبينه هي نشرة أخبار منوعة لأحوال البلد والناس بما فيها الفن والسياسية والاقتصاد، والمذيع هنا من عامة الشعب، وينقل لك صورة واقعية من قلب الحدث لا تخضع لتزييف بعض الصحف ولا لأجندات القنوات الإخبارية الفضائية أو المحلية!
على هامش الحوارات أخبرنا أحدهم أنه بدأت تنتشر ظاهرة فريدة من نوعها بين العاملين في شركة واحدة أو الطلاب من نفس الجامعة، وهي أن يتشارك الجميع مع صاحب السيارة في دفع فاتورة البنزين بعد الغلاء الملحوظ مؤخرا في أسعاره!
بالمناسبة الحرب القائمة ضد شركات التوصيل هي ذاتها موجودة في مصر لاعتقادهم أنها تشاركهم في الرزق أو تضيق عليهم فيه، والحقيقة أننا كعملاء مستفيدين حتما من التنوع والمنافسة في جميع المجالات.
مشوار التاكسي العادي من المطار يكلفك حقيقة ضعف أو ضعفي تكلفة شركات التوصيل! ومن الحوارات البديعة التي لا تنسى مع كابتن لشركة أوبر عن انزعاجه من موقف حصل مع أحد العملاء السعوديين، حيث طلب منه توصيله هو و5 من أصدقائه لمشوار معين، فرفض ذلك بلباقة، حيث إن السيارة لا تتسع لهذا العدد، وأن ذلك من شروط الشركة أيضا والتي في الغالب وافقنا عليها عند تحميل البرنامج على هواتفنا دون قراءتها أو استيعابها وبنية غير معلنة في انتهاكها لعدم الوعي بضرورتها أو أهميتها لسلامتنا أو حياتنا!
وهذا ما يحصل غالبا مع كثير من تطبيقات الهواتف المحمولة التي نوافق على شروط تحميلها ونوقع بأيدينا موافقة لانتهاك لخصوصيتنا، ونسمح للشركات باستخدام بياناتنا ومعلوماتنا إما في أغراض بحثية لتطوير منتجاتهم أو للتسويق بحسب الاهتمامات والمعلومات الديموغرافية.
والمحزن أن الكابتن بعد أن أجبر العميل بالالتزام بالعدد الرسمي للركاب 4 أشخاص اضطر لإنزالهم بعد مسافة ليست ببعيدة وإنهاء الرحلة، وذلك لسلوكهم غير اللائق وتعاملهم بدونية مع الكابتن وإهانته بالقول إنه مجرد سائق، وعليه تنفيذ طلباتهم دون جدال حتى يحصل على «بقشيش» مجز منهم. ما اعتبره الكابتن إهانة غير مقبولة في حقه.
وللأسف هذه النظرة موجودة لدى فئة مريضة لا علاقة لها بجنسية محددة ولا مكانة اجتماعية، يعتقد من يفكر بهذه الطريقة أنه يستطيع أن يشتري كرامة الآخر نظير مبلغ مادي! وما كان منه إلا أن رد عليهم بأنه شخص محترم لديه وظيفته التي يحبها ويحترمها في البرمجيات والحواسيب، ولكنه بحث عن زيادة الدخل في أوقات الفراغ يعمل في هذه الوظيفة بدوام جزئي يحدد هو ساعات التزامه بحسب ما يراه ملائما، وأنه يقدم خدمة للعميل وليس مضطرا على الإطلاق أن يتحمل إهانة أو سلوكا غير لائق.
وكم احترم هذه النظرة وكل من يسعى في الأرض طلبا للرزق ولا يقف مكتوف اليدين ينتظر السماء أن تمطر ذهبا.
وفي السعودية قابلت وسمعت عن الكثير من القصص المشرقة لشباب ورجال في وظائف جيدة يقومون بنفس ما يقوم به هذا الرجل المصري الأنيق، ونرفع لهم القبعة احتراما لنبيل صنعهم.
ومع كابتن آخر أوصلنا لدار الأوبرا المصرية ابتسم وهو يستمع للصراع القائم في السيارة بيني وبين الصغار في محاولة لإقناعهم أن المشوار سيكون ممتعا، وأنه من الضروري أن نذهب للمعالم السياحية المميزة في البلد، وسرعان ما تحول لشريك إقناع وتبنى وجهة نظري، وتحول من مجرد قائد للمركبة إلى مرشد سياحي، وما مررنا بمعلم أو مكان أثري إلا وسارع بذكر معلومات شيقة عنه، وبالفعل استحوذ على انتباه الصغار وأثار عقولهم ببدء الأسئلة والتفاعل مع حديثه، وإلقاء الأجهزة الذكية جانبا لبعض الوقت، واستغلالا للموقف والحماس أخبرتهم أنه في اليوم التالي يتوجب علينا زيارة الأهرامات والمتحف المصري، وربما الحسين وبرج القاهرة، لنعود من رحلتنا وقد شاهدنا كل المعالم المهمة في مصر، ويمكنكم الكتابة عنها حين تطلب منكم المدرسة التعبير عن الإجازة، فيبدو أنهم استحسنوا الفكرة واستسلموا للواقع!
وقد لفت نظري أمر في منتهى العملية والجمال حين احتجت أن اشتري علاجا من الصيدلية، خيرني الصيدلي بين أن أبتاع علبة الدواء كاملة أو أكتفي بشريط واحد فقط.
وفي هذا الأمر توفير ووعي ومسؤولية، فكم من الأدوية متكدسة في بيوتنا دون الحاجة لها ويكون مصيرها بعد فترة من انتهاء صلاحيتها مكب النفاية.
فلا نحن انتفعنا بها ولا تركناها لمن يحتاجها، بل وأصبحت في مثواها الأخير عبئا على البيئة، حيث إننا لم نتمكن إلى اليوم من الوصول لحلول وممارسات عملية لفصل النفايات وإعادة تدويرها والاستفادة منها!
وأنت في القاهرة يمكنك أن تطرب لصوت منبهات السيارات بسبب وبدونه، الجميع يعشق «البوري، الكلاكس» ويستخدمه بمتعة في الشوارع دون حسيب أو رقيب وكأنه يود أن يثبت وجوده في واقع مكتظ بالسكان دون فروقات حقيقية بينهم إلا القلة القليلة. فالأغلبية تركب سيارات متهالكة وتعيش براتب شهري بالكاد يسد الحاجة!
وعلى صعيد السياحة، عادت الأمور تنتعش شيئا فشيئا بعد أن مرت مصر بفترة اضطراب أمني. والجميل أن الأماكن السياحية العامة والأسواق والفنادق تحتوي على ماكينات للصرف الآلي تتوفر فيها خاصية استبدال نقدي للعملة، مما يوفر عناء وجهدا ووقتا للسائح للبحث عن أماكن للصرف والتحويل من نقاط معينة. وأتمنى أن نرى ميزة مشابهة في بلاد الحرمين كونها عامرة بالحجاج والمعتمرين طوال العام.
ومن الأشياء الممتعة جدا في مصر مشوارك مع سائق التاكسي سابقا، أو مع كابتن أوبر وكريم حاليا. الحوارات بينك وبينه هي نشرة أخبار منوعة لأحوال البلد والناس بما فيها الفن والسياسية والاقتصاد، والمذيع هنا من عامة الشعب، وينقل لك صورة واقعية من قلب الحدث لا تخضع لتزييف بعض الصحف ولا لأجندات القنوات الإخبارية الفضائية أو المحلية!
على هامش الحوارات أخبرنا أحدهم أنه بدأت تنتشر ظاهرة فريدة من نوعها بين العاملين في شركة واحدة أو الطلاب من نفس الجامعة، وهي أن يتشارك الجميع مع صاحب السيارة في دفع فاتورة البنزين بعد الغلاء الملحوظ مؤخرا في أسعاره!
بالمناسبة الحرب القائمة ضد شركات التوصيل هي ذاتها موجودة في مصر لاعتقادهم أنها تشاركهم في الرزق أو تضيق عليهم فيه، والحقيقة أننا كعملاء مستفيدين حتما من التنوع والمنافسة في جميع المجالات.
مشوار التاكسي العادي من المطار يكلفك حقيقة ضعف أو ضعفي تكلفة شركات التوصيل! ومن الحوارات البديعة التي لا تنسى مع كابتن لشركة أوبر عن انزعاجه من موقف حصل مع أحد العملاء السعوديين، حيث طلب منه توصيله هو و5 من أصدقائه لمشوار معين، فرفض ذلك بلباقة، حيث إن السيارة لا تتسع لهذا العدد، وأن ذلك من شروط الشركة أيضا والتي في الغالب وافقنا عليها عند تحميل البرنامج على هواتفنا دون قراءتها أو استيعابها وبنية غير معلنة في انتهاكها لعدم الوعي بضرورتها أو أهميتها لسلامتنا أو حياتنا!
وهذا ما يحصل غالبا مع كثير من تطبيقات الهواتف المحمولة التي نوافق على شروط تحميلها ونوقع بأيدينا موافقة لانتهاك لخصوصيتنا، ونسمح للشركات باستخدام بياناتنا ومعلوماتنا إما في أغراض بحثية لتطوير منتجاتهم أو للتسويق بحسب الاهتمامات والمعلومات الديموغرافية.
والمحزن أن الكابتن بعد أن أجبر العميل بالالتزام بالعدد الرسمي للركاب 4 أشخاص اضطر لإنزالهم بعد مسافة ليست ببعيدة وإنهاء الرحلة، وذلك لسلوكهم غير اللائق وتعاملهم بدونية مع الكابتن وإهانته بالقول إنه مجرد سائق، وعليه تنفيذ طلباتهم دون جدال حتى يحصل على «بقشيش» مجز منهم. ما اعتبره الكابتن إهانة غير مقبولة في حقه.
وللأسف هذه النظرة موجودة لدى فئة مريضة لا علاقة لها بجنسية محددة ولا مكانة اجتماعية، يعتقد من يفكر بهذه الطريقة أنه يستطيع أن يشتري كرامة الآخر نظير مبلغ مادي! وما كان منه إلا أن رد عليهم بأنه شخص محترم لديه وظيفته التي يحبها ويحترمها في البرمجيات والحواسيب، ولكنه بحث عن زيادة الدخل في أوقات الفراغ يعمل في هذه الوظيفة بدوام جزئي يحدد هو ساعات التزامه بحسب ما يراه ملائما، وأنه يقدم خدمة للعميل وليس مضطرا على الإطلاق أن يتحمل إهانة أو سلوكا غير لائق.
وكم احترم هذه النظرة وكل من يسعى في الأرض طلبا للرزق ولا يقف مكتوف اليدين ينتظر السماء أن تمطر ذهبا.
وفي السعودية قابلت وسمعت عن الكثير من القصص المشرقة لشباب ورجال في وظائف جيدة يقومون بنفس ما يقوم به هذا الرجل المصري الأنيق، ونرفع لهم القبعة احتراما لنبيل صنعهم.
ومع كابتن آخر أوصلنا لدار الأوبرا المصرية ابتسم وهو يستمع للصراع القائم في السيارة بيني وبين الصغار في محاولة لإقناعهم أن المشوار سيكون ممتعا، وأنه من الضروري أن نذهب للمعالم السياحية المميزة في البلد، وسرعان ما تحول لشريك إقناع وتبنى وجهة نظري، وتحول من مجرد قائد للمركبة إلى مرشد سياحي، وما مررنا بمعلم أو مكان أثري إلا وسارع بذكر معلومات شيقة عنه، وبالفعل استحوذ على انتباه الصغار وأثار عقولهم ببدء الأسئلة والتفاعل مع حديثه، وإلقاء الأجهزة الذكية جانبا لبعض الوقت، واستغلالا للموقف والحماس أخبرتهم أنه في اليوم التالي يتوجب علينا زيارة الأهرامات والمتحف المصري، وربما الحسين وبرج القاهرة، لنعود من رحلتنا وقد شاهدنا كل المعالم المهمة في مصر، ويمكنكم الكتابة عنها حين تطلب منكم المدرسة التعبير عن الإجازة، فيبدو أنهم استحسنوا الفكرة واستسلموا للواقع!