تفاعل

المتاجرة بالرقية

ناصر عليان الخياري
في مقال سابق لي كتبت عن خطأ المعلومة المتداولة (أعشاب إن لم تنفع فلن تضر)، وممارسات بعض العطارين الذين يتاجرون بخلطات الوهم والادعاءات الطبية الباطلة. وسأتطرق في هذا المقال إلى وجه آخر من وجوه المتاجرة بصحة الناس والتكسب من وراء أمراضهم.

أستفتح المقال بقصة ذات صلة بالفكرة: «أحدهم بعد سنوات من الوظيفة الجيدة، أراد تدارك سنوات العمر، فقرر بناء بيت العمر، وبدأ مندفعا حتى دخل في دوامة القروض، وأغرق راتبه في بحر الديون. أرهقته الأقساط، وأنهكته أرقام ديونه التي لا تنتهي، فقد بالغ في تجميل بيت العمر، مما كلفه مبالغ باهظة فاقت ملاءته المالية والذي ما كان ليتمه لولا تلك القروض والديون. وفي لحظة ما، وجدها! وجد فكرة سهلة تجلب له دخلا يسد مؤونة أيامه، فقد اتجه بذكاء إلى الرقية الشرعية، ونجح فيها نجاحا باهرا جعله يصبح قادرا على سداد كامل ديونه ويملأ البنك رصيدا ويشتري شيئا من العقارات».

أنا هنا لا أدخل في قضية حقيقة تأثير الرقية من عدمها، فهذا أمر آخر، لكنني أضع العدسة على جزئية مهمة، وهي أن هناك للأسف من يسعى إلى التكسب المادي، فلا يجد طريقة أسهل من تلك التي تمس صحة الناس وأوجاعهم، فيبدأ بالدخول إلى هذا العالم إما عن طريق العطارة، فيبدأ دجله صغيرا ثم يكبر، أو عن طريق الرقية الشرعية والتي يخادعون الناس بها بشعارهم الشهير (القراءة لوجه الله) بينما يبيعون على المرضى الماء والزيت والسدر والعسل أضعاف أضعاف سعره ويجنون آلاف الريالات في اليوم الواحد!

فمن المنطقي أن نتساءل: ما الذي يجبر هذا الشخص أن يمضي وقته من العصر إلى العشاء يرقي الناس؟ أي طاقة تلك التي تدفعه إلى هذه المثابرة؟ إنها طاقة جني المال! وليس أي مال بل المال الوفير؟ فمن أين سيأتي بهذا الدخل الضخم، الذي لا يحتاج إلى مؤهلات علمية، ولا اشتراطات نظامية، ولا رأسمال؟

الأخطر من كل ذلك، أنهم يقحمون المرضى في عالم الوهم، فيوهمونهم بأمراض روحية وعموميات توقعهم ضحية في دوامة الوساوس والتهيؤات. ولكيلا يأتي من يزايد فإن ما ذكرته يخص فئة محددة من الرقاة يمكن التعرف عليهم من خلال سلوكهم العلاجي مع المرضى، ولا يعني الرقاة المجتهدين الذين ينأون بذمتهم عن المال الحرام، ويأنفون من المتاجرة بصحة الناس.