تفاعل

الأخلاق في الحوار والمناقشة

لا يحتاج المرء إلى تدقيق وتمحيص لمعرفة أن هناك أزمة في أخلاق المسلم المعاصر بل نشاهد ونسمع ونقرأ الكثير من السب والشتم حتى كدنا أن لا نميز بين الغث والسمين وبين الحسن والقبيح لقد اعتدنا على ذلك فاعتاد أولادنا عليه، بالطبع لا نريد تغيير العالم ولكن نريد تغيير أنفسنا ولا نريد أن نصبح ملائكة بل ولا حتى شياطين إنما نحن بشر نخطئ ونصيب، نعم ولكن لا نتعمد الخطيئة.

بداية لا نستطيع تقييم أخلاق الأشخاص المنعزلين عن الناس ذلك بسبب المنطق الاجتماعي الذي يجعل الأخلاق سلوكا اجتماعيا يعرف بالمشافهة سواء كان في الأقوال أو الأفعال أو الأحوال. فالأخلاق جمع خلق، وحقيقة الخلق في اللغة: ما يأخذ الإنسان نفسه من الأدب.

والأدب يعني الأخلاق والمبادئ والقواعد التي يجب التزامها من قبل كل مساهم من المساهمين في التعامل والتفاعل والتحاور مع الآخرين.

إن التعاون في التساؤل والتحاور والتذاكر والتشاور يستلزم دراية عميقة بمحور التشاور. وتندرج هذه الدراية في أخلاق تبادل الآراء ومطارحة وجهات النظر. ولبلوغ المراد من هذه المطارحة فلا مندوحة للمساهمين فيها من الاتفاق، منذ البداية، على الموضوع الذي ستدور حوله، وذلك لتفادي الخلاف الذي لا جدوى من ورائه، وحتى لا يزيغ النظر ويعجز الفكر عن تناول مواضيع متشعبة، وعن تفكيكها وهي متشابكة بشكل معقد.

ويتحقق الحوار بتواجد متحاورين تتكامل وظيفتاهما فيه. فالأول يريد إشراك الثاني في رأيه حول الإنسان وباقي الكائنات الحية والأشياء فيبادر إلى تقديم هذا الرأي منتظرا فهمه واستجابته أو عرض وجهة نظره حول ذاك الرأي سواء أكانت مؤيدة أم مفندة.

كل الأديان تتفق على حب الخير للغير كما يحبه المرء لنفسه، وفي الإسلام «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». ﴿ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم﴾.

يقول د. هاري ميلز إن القاعدة الذهبية في اتصالات نمط الشخصية هي: «عامل الآخرين بما تحب أن يعاملوك به».

ويضيف معلقا: أي تكلم دائما بلغة الآخرين.

وكان قدماء عصر الإغريق السفسطائيون «يمرنون تلاميذهم على أن يجادلوا لتأييد أي رأي وتأييد نقيضه في آن واحد. فكانوا يقولون: ما دامت الحقيقة نسبية وما دام الصالح في نظرك قد يكون طالحا في نظر غيرك، فالجدير بك إذن أن تكون بارعا في الدفاع عن أي رأي يلائمك مهما كان نوعه».

إذا علينا إعادة تصوير شكل الحوار أو النقاش في ذهننا فإن كان النقاش عبارة عن فوز وخسارة فأنا أفضل دائما الخسارة على الفوز، وإن كان عبارة عن طرح وجهات النظر في موضوع ما بشكل لا يسيء للآخر فبها ونعمت .. «وعندما يجعل عاقلان أحدا منهما في الحوار غبيا سيضيع الوقت والحديث»!

نظر أعرابي إلى مكتبة عامرة بالكتب القديمة فقال: «إني أعرف جميع ما في هذه الكتب كلها تقول أيها الإنسان كن خيرا» .. فعلينا أن نكون كذلك ولأن الأخلاق حسب ما يقول د. علي الوردي «إن الأخلاق ما هي إلا نتيجة من نتائج الظروف الاجتماعية. فالغربيون لم تتحسن أخلاقهم بمجرد أنهم أرادوا ذلك. لقد تحسنت ظروفهم الحضارية والاقتصادية فتحسنت أخلاقهم تبعا لذلك».

إذن علينا تحسين ظروفنا أولا والإنسان كما يقول الله: ﴿بل الإنسان علىٰ نفسه بصيرة﴾

ويقول البروفسور كارفر إن التنازع صفة أساسية في الطبيعة البشرية. حتى التعاون في رأيه ما هو إلا صورة من صور التنازع .. فالإنسان يتعاون مع بعض الناس لكي يكون أقدر على التنازع ضد البعض الآخر.

والانفعالات لا فائدة منها إلا كما يقول أوسكار وايلد «إن ميزة الانفعالات أنها تضللنا».

إن الأمم تقاس بأخلاقها، وتعرف بقيمها، فأمة بلا أخلاق هي أمة تعيش على هامش الأمم، ولقد صدق القائل:

فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

﴿فأين تذهبون﴾؟!