تفاعل

الهيب هوب.. قريبا في الجنادرية

من فرط إعجابي بالهيب هوب وفي غفلة من أمري وجدتني أتمايل ذات اليمين وذات الشمال تارة على أنغامه ونسق مؤديه وعلى إيقاع كلماته تارة أخرى، فأنا لست ممن يعارض ثقافة الفن الرصين ولا ممن يسعى ليلغي وجوده، بل لي نزعة تواقة لكل فن رزين حصيف أصيل يسلك طرق الابتكار والإبداع ويراعي تعدد الأذواق وقادر على التأثير في سلوك البشر ورفع مستوى الوعي الاجتماعي.

يطرح وبشكل جيد كل ما هو مفيد وجديد شريطة أن لا يخل بقيم الإنسانية ومقاصدها النبيلة التي تسمو به عن غيره من كائنات الأرض من خلال مزاولة ما اشتمل عليه من حركات وتصرفات أو من خلال استحداث مفردات مبتكرة وإن حادت عن السياق المألوف النذر اليسير، وإن بدت خلاف نطاق العادات والتقاليد، وليس بالضرورة أن يرتكز على أبجدية اللغة العربية طالما كان بمنأى عن الإساءة أو المساس بثوابت الدين، وبعيدا كل البعد عن اللجوء إلى الألفاظ البذيئة الخادشة لروح الهوية والتي تنال من كرامة الإنسان، بحيث تتوافق أدبياته ومقتضياته مع أدبيات ومقتضيات العقل والمنطق.

غير أن إعجابي بهذا الفن لا يلغي ممانعتي التامة فكرة إدراجه كفن رسمي ضمن قائمة الفنون الرسمية أو الشعبية، وكون هذا الفن الدخيل ذا شعبية عارمة فشعبيته ليس مسوغا لاتخاذ مثل هذا الإجراء وإن استحسنته الرغبات واستمرأته الميول وتمردت متعته على طبيعة البيئة العربية وكسر تداوله حاجز العفة والحياء وإن بلغ قمة ذروته لدى الشباب.

لن يعتريني شك أو ريبة بأن الكثير من مجتمعنا سيشاطرني المعارضة والرفض ويوافقني الرأي مظنة الممانعة أو التحفظ فلا سبيل للرأي السديد إلا رجاحة التأني قبل البت فيه لاعتبارات عديدة لا مجال لذكرها ليس لعدم أهميتها بل لأنها لا تخفى على الجميع، فنحن أحوج ما نكون إلى الاعتداد بفنوننا التي لا يجهلها معظم شبابنا، وإن كمية الإعجاب التي أكنها لجاري لا تعني بالضرورة احتواءه المطلق فيغدو كبقية أبنائي يجري عليه ما يجري عليهم وله ما لهم وعليه ما عليهم. يبقى الفن إحدى الطرق القديمة والأساليب الحديثة القادرة على الإقناع عبر توظيف مؤثرات فعالة تتيح للإنسان صياغة العمل لإيصال معلومة أو فكرة عنه وعن محيطه بشكل أو بآخر ليعكس واقعه الجميل بأساليب وطرق مختلفة يطلق عليها كلمة فن.

فبعد أن أدرجت جمعية الثقافة والفنون بجدة على لسان مديرها الدكتور عمر الجاسر هذا الفن ضمن الفنون الرسمية للمملكة وفق ما ذكرته صحيفة مكة في عددها 1285 الصادر يوم الثلاثاء 1438، هل ستشرع الجمعية عما قريب في تفعيل هذا الإدراج عن طريق دعمه في فعاليات الجنادرية رغم التداعيات التي سوف يخلفها إجراء من هذا النوع على سياسة الجمعيات الثقافية عامة؟ ومن المعلوم والمتعارف عليه أن الفنون الشعبية للمملكة تمثلها جهة تعتمدها جمعيات المناطق، كل وفق فن منطقته، فيا ترى أي منطقة أو جهة ستمثل الهيب هوب؟