تفاعل

اختزال الترفيه في الحفلات الغنائية

محمد إبراهيم فايع
بعيدا عن الخوض كثيرا في حكم «الغناء» فمن أراد معرفة ذلك فهناك كلام كثير للعلماء العارفين بالعلم الشرعي الثقات، يمكنه العودة إليهم وإلى ما ذكروا حوله، وليس إلى متسلقي «الفتيا» من فئة المتمشيخين فهذا ليس ميداني ولا ميدانهم، إنما وقفتي هنا اليوم عما يثار من جدل حول «الحفلات الغنائية» وبخاصة الجدل حول قيامها أو إلغائها من قبل المنظمين لها، فأقول لا يمكن لأحد أن ينازع في القول بحاجة أي مجتمع للترفيه لما له من مردود نفسي واجتماعي واقتصادي، والحاجة لإشباع النفس ما دام ذلك لا يتعارض مع الدين ويحفظ للإنسان ما أمر به الإسلام حفظه «الدين والنفس والمال والعرض والعقل»، فالترفيه يعيد شحن النفوس بالطاقة والحيوية والنشاط بعيد العناء الشاق جراء العمل طوال اليوم لأفراد المجتمع صغارا وكبارا ذكورا وإناثا، ولا خلاف حول ذلك؛ لكن السؤال الذي يجب طرحه هنا، لماذا يتم التركيز عندنا فقط على «الحفلات الغنائية» وكأنها رأس عمود الترفيه ولا غيرها وهي المطلب؟ وكلنا يعرف بأن هناك فئة تحاول أن تستغل تلك الفعاليات لتدخل في عملية مبارزة مع المجتمع، لا يكون من نتائجها إلا المزيد من التأزيم بين أبناء المجتمع الواحد، وجميعنا قرأنا تصريحات وتغريدات لم يكن من نتائجها إلا مزيد من الاحتقان المجتمعي، والمستفيد الوحيد من جراء ذلك هم أعداء الوطن في الداخل والخارج.

إن «عناصر الترفيه متنوعة» وكثيرة ولدينا الكثير من النماذج حولنا إذا ما توسعنا في هذا المجال، فبلد مثل ماليزيا والتي كانت ملهمة للسياحة النقية لكثير من بلدان ومدن عربية ومنها على وجه التحديد دبي، نجحت في إرساء مقومات السياحة ليس بالاعتماد على عنصر وحيد «كالحفلات الغنائية» بل استثمرت الطبيعة التي لا تقل عنها جمالا الطبيعة في بلادنا، فلدينا مناطق التنزه إلا أنها هناك «خدمت تلك المناطق» بمعنى أن فيها كل ما يبحث عنه السائح من خدمات، وفتحت المجال لكل وسائل الترفيه من ملاه، ومدن ثلجية ومائية، وحدائق للزهور والطيور والحيوانات، وزودتها بالمطاعم والمقاهي والاستراحات والخدمات التي يحتاجها السائح ولا يستغنى عنها، كوجود المساجد ودورات المياه، وفوق ذلك وجود فرق النظافة، وحتى نعرف كم نحن نفتقد الكثير من ذلك التنظيم والاحتياج الذي يميز مناطقهم السياحية وتفتقر إليه مناطق التنزه عندنا، يكفي كمثال أضربه لكم هنا، أن تزور حديقة كحديقة «أبوالخيال بأبها» لتجد أنها تفتقر إلى مسجد، ودورات مياه لائقة وكافية تفي بحاجة زوارها، يكفي أن تذهب إلى «الفرعاء» أو «السودة» أو «دلغان» لتجد أنها فقيرة من وسائل الترفيه عدا بعض العشوائيات لمتكسبي المال الذين يحيطون مساحات من الأراضي «بإطارات السيارات» ليصنعوا ملاهي لسباق السيارات للصغار، دون أن يكون هناك أمن وسلامة، يكفي أن ترى أكشاكا موزعة بطريقة غير منظمة وقليلة ومكررة قد تنعدم فيها سلامة ما يباع. في مواقع التنزه عندنا يكفي أن تتعب في البحث عن دورات مياه؛ فإن وجدتها فقد لا تجدها نظيفة، وإن بحثت عن موقع نظيف خال من بقايا من سبقك إليه فأنت محظوظ، ولهذا فلا عجب أن ترى من يركز على «الحفلات الغنائية» ويطرب لها، لكنها لا تشبع سوى الفئة القليلة جدا من أبناء المجتمع. والسؤال أين الترفيه المتنوع المشبع للفئة الأوسع من المجتمع بكل فئاته، وكذلك السياح القادمين لنا من خارج البلاد؟