الحركيون الإسلاميون والحنين للدولة العثمانية
الاثنين / 23 / شوال / 1438 هـ - 19:00 - الاثنين 17 يوليو 2017 19:00
ثمة ظاهرة غريبة في أوساط الحركيين الإسلاميين، وهي تبجيل الدولة العثمانية بصفتها خلافة جامعة للمسلمين، وتصويرها بالدولة العظيمة الزاهرة، والثناء العاطر على السلطان عبدالحميد الثاني، وهو من أواخر سلاطين الدولة العثمانية، والتحسر على سقوط الخلافة العثمانية.
وهنا نطرح سؤالين، الأول: هل الدولة العثمانية كما يصورونها خلافة إسلامية مزدهرة، وقد خسر المسلمون كثيرا بسقوطها؟ الثاني: لـم كل هذا التبجيل والحنين من الحركيين الإسلاميين للدولة العثمانية؟، وللإجابة عن السؤال الأول يجب التفريق بين طورين من أطوار تلك الدولة، الطور الأول من نشأتها حتى نهاية القرن السادس عشر الميلادي، فهذا الطور يمثل عظمة الدول العثمانية من خلال فتوحها في أوروبا، وجمع كثير من البلدان الإسلامية في إمبراطورية واحدة، وأما تعاملها مع الشعوب التي تحت سيطرتها فكانت معاملة خاضعة لمنطق عصرها آنذاك؛ إذ كانت الدول في ذلك العصر وما سبقه مهمتها تتلخص بأمرين، حماية الحدود، وبسط الأمن، وعليه فلا يمكن انتقادها في هذا فهو منطق عصرها كله.
وأما الطور الثاني، وهو من بداية القرن السابع عشر إلى سقوطها سنة 1924 فهو طور خمول وتخلف للدولة العثمانية مقارنة بنهوض أوروبا وتطورها الحضاري، ويهمنا الحديث عن أثر الدولة العثمانية في بلادنا العربية في هذا الطور، فقد كرست التخلف في الوطن العربي، وتعاملت مع العرب على أنهم مجرد رعية تتلخص علاقتها بهم بأمرين، الأمر الأول: دفع الضرائب للدولة العثمانية، فقد استحدثت لهذا منصب (السروجي)، ومهمته جمع مال الضرائب من ولاياتها. والأمر الثاني: تزويد الجيوش العثمانية بالمقاتلين، وتعيين قضاة أتراك في حواضر المدن الكبرى من الوطن العربي، وأما مهمات الدولة الأخرى من تنمية، وحفظ أمن، وعدالة، فقد كانت غائبة، إذ إن أمور الناس تركت لإدارة من بيده عصبية من أهل البلاد من شيوخ القبائل، وكبار التجار، فتفشى الفساد والجور، وعاش العرب تحت الدولة العثمانية في تلك الحقبة يعانون من الجهل، والتخلف، والأمراض، والفقر.
ويدعي بعض الإٍسلاميين الحركيين أن العثمانيين حافظوا على الوطن العربي من الاستعمار الأوروبي، وهذه دعوى باطلة، فإن سلطة العلويين في المغرب وسلطنة عمان استطاعتا الوقوف في وجه المحاولات الأوروبية الاستعمارية دون عون من العثمانيين، وفي المقابل احتل الاستعمار الأوروبي كلا من الجزائر، وتونس، ومصر، وليبيا، وجنوب اليمن، وهي كلها تابعة لسلطة العثمانيين، ومن قبل ذلك سقطت مملكة غرناطة بيد الإسبان، بعد خذلان العثمانيين لها رغم صيحات الاستغاثة التي بعثها مسلمو الأندلس لهم.
وأكثر السلاطين العثمانيين الذي يلقون تمجيدا من الحركيين الإسلاميين السلطان عبدالحميد الثاني، فهو يعد في نظرهم بطلا إسلاميا، ولعل مرد هذا التمجيد دعوته للرابطة الإسلامية في مقابل محاولات حركة (الاتحاد والترقي) تتريك شعوب الخلافة العثمانية من غير الأتراك، لكن بقراءة تاريخ السلطان عبدالحميد يتضح أنه من أكثر السلاطين العثمانيين المتأخرين استبدادا، فنتيجة ضغوط الحركة الدستورية في الدولة العثمانية أسس برلمانا (مجلس المبعوثان)، وقبل أن يتم المجلس دورة انعقاده الثانية عطل السلطان عبدالحميد المجلس، وأمر بعودة النواب إلى بلادهم، ونفى البارزين منهم، ولم يدع هذا المجلس للاجتماع ثانية في خلافة عبدالحميد كلها لمدة ثلاثين عاما. ووسع من صلاحيات المخابرات التي مهمتها التجسس على الشعوب الخاضعة للدولة العثمانية، وقد قال في مذكراته: جدي السلطان محمود الثاني وسع دائرة مخابراته بإضافة الدراويش الرحل إليها، كان ذلك عندما ارتقيت العرش، وعلى ذلك استمر.
ومحصل القول أن عبدالحميد الثاني مجرد سلطان مستبد، لا يستحق الهالة التي وضعها له الحركيون، وهذا يوصلنا للبحث عن جواب السؤال الثاني: لـم كل هذا التبجيل والحنين من الحركيين الإسلاميين للدولة العثمانية؟ في اعتقادي أن تمجيد الخلافة العثمانية وتهويل سقوطها إنما كان في بداية الأمر لهدف أيديولوجي، وذلك لتبرير تأسيس التنظيمات الحركية، فتنظيم (الإخوان المسلمين) - وهو أبو جميع التنظيمات الحركية التي نشأت بعده – تأسس بهدف إعادة الخلافة الإسلامية، فمن البدهي تمجيد الخلافة العثمانية التي سقطت؛ لتسويغ الدعوة إلى إعادة إحيائها بصورة أخرى؛ فالناس لن يقبلوا دعوة إحيائها إلا إذا كانت صورتها مشرقة في أذهانهم.
وإذا كنا نجد بعض العذر لبعض الحركيين في البلدان العربية التي كانت خاضعة للاستعمار الأوروبي في تلميع الخلافة العثمانية، وأسطرة عبدالحميد الثاني فإن العجب يمتلكنا من أن يقوم بذلك بعض الحركيين في بلادنا، وتجربتنا مع الدولة العثمانية تجربة مريرة، فقد أهملت وسط الجزيرة، وتركته نهبا للقبائل المتنازعة، ثم لما أن قامت فيه دولة جامعة - وهي الدولة السعودية الأولى - أرسلت جيوشها لإسقاط الدولة، ودك مدنها بالمدافع، فالمظنون أن يكون للحركيين في بلادنا خاصة موقف نقدي حاد من الدولة العثمانية، لكن الأدلجة تعمي عن قراءة التاريخ كما كان، وتحيله إلى صورة ذهنية مرسومة وفق متطلبات الأيديولوجيا.
@Dohyyan_suliman