الرواشين من جماليات العمارة المكية ( 3 - 10 )
الثلاثاء / 8 / ربيع الأول / 1436 هـ - 20:45 - الثلاثاء 30 ديسمبر 2014 20:45
ضمن سياق رواية سقيفة الصفا لحمزة بوقري يصف الروائي جلسة محيسن البلي بطل الرواية في الروشان حيث يقول «لأول مرة اكتشفت أن الإنسان يستطيع أن يمسك فنجانا من الشاي ويجلس في روشان وهو نائم». والروشن اصطلاح فارسي معرب، ويلفظ في مكة المكرمة روشان ويجمع على رواشين، وهو دكة مبنية بالحجر أو قاعدة من الخشب، يتجاوز عرضها المتر في بعض الأحيان، وتشد نوافذ خشبية على أطراف القاعدة مما يعطي مساحة إضافية للغرف، وتستخدم للجلوس. بالإضافة إلى ذلك وكما يشير بعض الباحثين فإنه يستخدم أساسا لتغطية الفتحات الكبيرة بالواجهات لتوفير التهوية المطلوبة، والإطلالة إلى الخارج مع الحفاظ على خصوصية الناظر واحتجابه، ويصنع الروشان من عناصر خشبية منحوتة ومحفورة ومزخرفة بدقة من الأخشاب القاسية، كالساج والتيك ويعكس حجم وزخرفة الرواشين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمالك، وتكون الرواشين في البيوت الصغيرة أقل زخرفة وأصغر حجما. وفي البيوت الفخمة والكبيرة يكون الروشان هو السائد والطاغي على جميع واجهات المبنى، حتى إن الناظر يشعر أن المبنى الذي أمامه هو مبنى خشبي وليس حجريا. ولعل من أجمل أمثلة ذلك الصورة التي أخذها أنيس بشير شودري صاحب كتاب لقطات من المعالم العمرانية لمكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف في الفترة من 1387-1404هـ لبيت السقاف في أجياد. ويعد الروشان روح البيت المكي الجمالية، استوقفت بجمالياتها وما حوته من زخارف ونقوش الكثير ممن زار مكة المكرمة، فمثلا نجد المستشرق كورتلمون يقول «بيوت مكة المكرمة جيدة البناء، فهي مبنية من الأحجار والبلاط مدعمة بأعمدة من الخشب مغروسة في جدرانها، وجميعها مزينة بالمشربيات «الرواشين» المصنوعة من خشب الهند، وغالبا ما يكون محكم الصنعة. ويجنح المعماري أحيانا إلى إعطاء واجهة البناية أشكالا ظريفة، لا تخلو من جمالية حقيقية». ويصف العقيد الروسي عبدالعزيز دولتشين الرواشين والتي يسميها المشربيات ويقول «الخاصية الرئيسية التي تختص بها البيوت المكية الغنية إلى هذا الحد أو ذاك إنما هي المشربيات المبنية على طول الواجهة، هذه النوافذ تقوم في الأطراف البارزة والناتئية للعوارض الأرضية، وتشكل بالتالي ضربا من شرفات مغلقة تبرز من وراء جدران المبنى، وتغلقها صفوف من عوارض خشبية صاعدة ونازلة، ويضعون في داخلها مخدات ». وما عناه دولتشين هنا بالعوارض الخشبية هو ما كان يعرف محليا بـ»القلاليب» جمع قلاب، وهي تشبه الستائر المصنوعة من الشرائح الخشبية حديثا، يتم التحكم فيها بواسطة شريحة أخرى طولية، كما يمكن التحكم في الإطار الذي يجمع هذه العوارض من خلال مجار جانبية، بحيث يرفع كامل الجزء الحاوي لهذه القلاليب إلى الأعلى، وتعلق على حوامل جانبية مصنوعة من النحاس.
makkawi@makkahnp.com