تفاعل

الزراعة بالماء!

إبراهيم خليل البراهيم
العقبات والمشكلات هي أكبر محفز للعقل البشري لاستنهاضه في البحث عن الحلول والخيارات الجديدة، فكما يقال إن «الحاجة هي أم الاختراع».

أحد نماذج الحلول الإبداعية، هي اليابان التي يطلق عليها أرض المياه لوفرة المياه فيها، لكنها كانت تواجه إشكالية زراعية لقلة المساحة الجغرافية. اليابانيون لم يتوقفوا عن الزراعة بسبب تلك المشكلة بل توجهوا إلى الزراعة بالماء بدون تربة لحل المشكلة واستثمار المورد المائي بشكل مثالي ورائع.

الزراعة دون تربة أو الزراعة في الماء أو كما تعرف في اللغة الإنجليزية بـ(Hydroponics): مجموعة نظم لإنتاج المحاصيل بواسطة محاليل معدنية مغذية فقط عوضا عن التربة.

في الحقيقة الزراعة بالماء ليست تقنية جديدة ابتكرها اليابانيون بل هي تقنية تعود لآلاف السنين إذ استخدمها الصينيون القدامى والفراعنة، لكن اليابان أحسنت تطبيقها وفق الظروف التي واجهتها.

سرني جدا توجه وزارة البيئة والمياه والزراعة مؤخرا إلى دعم الزراعة بالماء لترشيد استهلاك المياه في المملكة، فنحن قد لا نكون نعاني من شح الأراضي والرقعة الجغرافية كما هو الحال في اليابان بقدر ما تكون معاناتنا مع المياه إذا ما استمر استهلاكنا على نفس الوتيرة التي تتجاوز 20 بليون لتر مكعب سنويا، 90% من هذا الاستهلاك يستهلكه القطاع الزراعي. حتى تتضح لك الصورة بشكل أكثر وضوحا عزيزي القارئ الكريم هذه الكمية من الاستهلاك سنويا تعادل 40% من جريان نهر النيل في مصر، كما تعادل جريان نهر الراين في ألمانيا، وتعادل إنتاج التحلية 16 عاما مع أننا من أكثر الدول شحا في المصادر المائية.

تم تجربة الزراعة بالماء في عدد من مناطق المملكة، وأثبتت التجربة نجاحها وفعاليتها في توفير 70% من المياه التي تستهلك في الزراعة التقليدية، ما يمكن من خلالها إنتاج محاصيل بتكلفة أقل وجودة وكمية أفضل. علاوة على توفير مساحات الأراضي الزراعية والفوائد الصحية لسهولة التخلص من الأمراض والآفات وقلة استخدام المبيدات المتعلقة بالتربة والطرق الزراعية التقليدية.

في السابق كان هناك إشكالية بسبب وجود جهة مستقلة مختصة بالمياه وجهة مستقلة أخرى مختصة بالزراعة، لكن اليوم الأمر أصبح أفضل بكثير بعد دمج الوزارتين بوزارة البيئة والمياه والزراعة التي نتمنى أن تتخذ إجراءات بشكل أكبر للتحفيز على الزراعة بالماء عوضا عن الزراعة التقليدية للمنتجات التي يمكن استزراعها بالماء، وأن توقف بعض المنتجات التي تعمل الشركات على تصديرها، فليس من مصلحة الوطن ولا المواطن استهلاك كميات كبيرة من المياه للزراعة وتصديرها للخارج، بل الهدف في اعتقادي هو الوصول إلى منتجات تحقق الأمن الغذائي الوطني، ولا مانع أن يتم التوسع في هذه المنتجات عن طريق استثمار أراض في دول تكون فيها وفرة كافية من المياه وتوزيع وتعليب تلك المنتجات عن طريق خطوط توزيع وإنتاج في المملكة، ومن ثم تصديرها إلى الخارج.

ومضة: نتمنى أن نصل في القريب العاجل إلى الأمن الغذائي الوطني باستخدام الزراعة في الماء والطرق التقنية الحديثة، الأمر بالطبع ليس بهذه السهولة، لكن العقبات لا تقف أمام أصحاب الطموحات!