تفاعل

ضرورة التجديد

كانت ليلة 27 رمضان 1438 ليلة مشهودة وستبقى خالدة في تاريخ الأمة السعودية، إنها ليلة تجديد الدولة السعودية بعد مئة وخمسة عشر عاما على قيامها عندما فتح الملك المؤسس الرياض عام 1902م، ومنها بدأت مسيرة التوحيد التي صهرت المجتمع تحت قيادة موحدة وتناغم اجتماعي ذابت فيه الفوارق الاجتماعية والثقافية، وتشكلت لهجة سعودية يعرف بها أهل الجزيرة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.

التجديد سنة كونية، وقد ورد في الحديث الشريف «يبعث الله على رأس كل مئة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها»، صححه الألباني. فإذا كان التجديد ضرورة في الدين فمن باب أولى أن يكون في مناشط الحياة الأخرى، وأهمها التنمية الاجتماعية.

التنمية الاجتماعية تعرف أنها تطور البشر في علاقاتهم المشتركة التي تؤدي إلى التوافق والانسجام بين أفراد المجتمع. الجميل أن عناصرها ومكوناتها تنبثق من الداخل، أي إن هذا التحدي بيد الأمير المجدد، ولا يقارن بالتحديات السياسية والأمنية والاقتصادية التي يكون للاعب الخارجي دور مباشر فيها.

هناك شرطان أساسيان لعملية التنمية الاجتماعية، هما:

1ـ إزاحة كل المعوقات التي تحول دون إبداع الفرد والمجتمع.

2 ـ توفير المؤسسات التي تساعد على نمو الإمكانات الإنسانية، شريطة ألا تستغل من الفاسدين فكريا وإداريا، لأنه يمكن اختطاف هذه المؤسسات وتكون العواقب وخيمة.

التنمية الاجتماعية مهمة لا تقتصر على الحكومة فقط، بل تشترك في هذه المهمة المؤسسات الأهلية والخيرية، ويكون دور الحكومة فيها داعما ومراقبا.

التنمية الاجتماعية لا بد لها من دفعة قوية في المجتمع. تقوم هذه الدفعة بإحداث تغييرات تقلل الفارق في الثروات والدخول بين المواطنين، وتساعد في توزيع الخدمات توزيعا عادلا من الناحية الجغرافية والنوعية. ويبرز دور التعليم كلاعب أساسي في التنمية الاجتماعية، فيجب أن يكون إلزاميا ومجانيا ونوعيا. وأرى أن رؤية 2030 قد شملت ما سبق في كثير من بنودها.

يعتبر الفساد - بشقيه الفكري والإداري- أخطر معول تضرب به التنمية الاجتماعية، ولكنه ليس العائق الأوحد، فهناك جماعات مقاومة التغيير التي تتهدد مصالحهم ومنازلهم الاجتماعية بالتنمية الاجتماعية.

نماذج التنمية الاجتماعية ثلاثة، فإما أن تكون مشروعا وطنيا شاملا يقوم بتغيير كلي للموروث، وإما أن يكون تكيفيا ويكون التغيير فيه جزئيا ولكن لجميع أفراد المجتمع. والنوع الأخير نموذج المشروع، وهذا يكون في منطقة جغرافية بعينها، مثل توطين البدو، وأرى أننا بحاجة إلى النموذج الأول، فالمجتمع السعودي تعرض لهجمات شرسة خلال العقد المنصرم.

إن المراهنة على بناء الإنسان السعودي وطنيا هي الاتجاه الصحيح ومطلب وطني من قائد مسيرة التجديد. ونأمل أن يوضع كأولوية، وألا تنسينا التحديات الأخرى هذا المواطن الذي سيقف شامخا في وجه المعتدي ولن يستقبله بالزهور.