تلقائية الشيخ البليهي
الأربعاء / 4 / شوال / 1438 هـ - 21:30 - الأربعاء 28 يونيو 2017 21:30
عبقرية الاهتمام التلقائي عنوان كتاب صدر للشيخ إبراهيم البليهي منذ أشهر، وهو حلقة في سلسلة يديرها منذ فترة بعيدة في محاولة لتحرير العقل البشري مما يعلق به من الترسبات التي يفرضها المجتمع وترثها الأجيال وتستسلم لها وتعطل تلقائية الإبداع التي خلقها الله مع الإنسان لدى خلقه.
وفكرة الكتاب التي يحاول المؤلف إبرازها، فكرة واسعة الأبعاد دار حولها جدل التربويين والفلاسفة والمفكرين منذ القدم وما زالت هي اهتمام الناس الذين يبحثون في محفزات العقل الإنساني وتنشيط عمله وكيف الوصول إلى الغاية التي يتحقق فيها الحد الأعلى من التأثير في سلوك الإنسان وفي إبداعه، وما نوع التعلم النافع له وما التعلم الذي يكرر معلومات واحدة ومنهجا واحدا ويخلق صورا مكررة من البشر على مر العصور لا يختلفون إلا في اختلاف الزمن الذي يعيشون فيه.
والكتاب يقسم مناهج التعلم إلى نوعين، التعلم كرها واضطرارا، والتعلم رغبة واندفاعا. ويأخذ النوع الثاني من التعليم في الوقت الحاضر ويختار الأمثلة من الطبقة العليا في التحصيل العلمي والإدراك العقلي ويجعلهم شاهدا لما يريد أن يصل إليه، أولئك هم الأطباء الذين جمعهم التعليم الاضطراري ثم فرقتهم ميولهم التلقائية، نجح كل فريق في حياته العملية بما يوافق تلقائيته التي وجد نفسه فيها حتى ولو كانت تلقائية ضارة أو أعمالا شريرة، قسم من هؤلاء هم الأطباء الذين اتسقت ميولهم مع تلقائيتهم الخيرية رغم أنها كانت خارج تخصصهم الطبي فأبدعوا أيما إبداع ووجدوا نفسهم فيما ذهبوا إليه.
ويقابل هؤلاء قسم آخر سلك طريقا مختلفا وأجبرته ميوله وتلقائيته على خوض غمار حياة قاسية أشدها الحرب والقتل والثورة على قيم الإنسانية والمجتمع وثوابته المرعية، وبرز فيها أيضا.
ويقدم من كل نوع عددا من النماذج الشريرة التي لم يجعلها تعلمها تسلك طريق الخير والصلاح، ونماذج أخرى أبدعت في علوم بعيدة عن تلقيها المدرسي ولكنها نافعة للناس ومضيفة نجاحا باهرا في ما اتجهت إليه.
حاول البليهي أن يضع أمام القارئ حجة تعزز نظرية التلقائية الفاعلة عنده، وخلص إلى أنه ضد التعليم القائم على الامتثال وطمس النزعة الفردية والخلط بين المعلومات والمعرفة، ففي رأيه أن المعلومة مواد لبناء المعرفة، وأن المعرفة الحقيقية هي تلك التي يجري تمثلها بواسطة الاندفاع التلقائي والشغف المعرفي العميق حين تنطلق الإرادة على سجيتها وتلقائيتها فتبدع وتنفع.
ويأتي الكتاب إضافة معرفية جديدة يحمل في صفحاته الكثير من الأمثلة التي جربها الإنسان على مر التاريخ وعرضها المؤلف في مجملها عرضا متوافقا مع ما انقطع له من بحوث ودراسات ومحاضرات ومقابلات كلها متوجهة إلى التغيير الذي يراه ضروريا لنهضة المجتمع، حيث يشعر بأنه تخلف كثيرا عن حركة التاريخ المعاصر وتوقف عن السير في طريق النمو والتقدم، ولم ير سببا لتوقفه وامتناعه إلا أنه ضحية التكرار المعرفي والغبطة الكبيرة في هذا التكرار، حيث لا يضيف تعليمه جديدا لحاضره فبقي هؤلاء الناس يعيشون في عمق الماضي البعيد معرفيا.
وليس ذلك فحسب بل الأدهى والأمر من ذلك كله أنهم لم يشعروا بالحاجة إلى التغيير ولا يرون داعيا للخروج مما هو فيه وهذا ما أفضى به أن يطلق على هذا النوع من التعليم علم الجهل وينقطع في بحوثه ودراساته الكثيرة إلى تفكيك بنيته الراسخة في المجتمع وأثرها على حراكه وتطوره ويبحث محاولا ما استطاع زحزحة أوهام التخلف وتعرية الواقع أمام الأجيال القادمة لعلها تجد طريقها إلى العلم والمعرفة الحقيقيين والنافعين وألا تهدر جهود الأجيال في التكرار والترديد.
Mtenback@