وطنية المثقف الخليجي
الاحد / 23 / رمضان / 1438 هـ - 01:45 - الاحد 18 يونيو 2017 01:45
لم نختبر محكا سياسيا وطنيا لاستشفاف مكنون المثقف الخليجي مثلما أوضحت لنا الأزمة القطرية.
المثقف الخليجي ينهل من أيديولوجيات عدة، ولكل منها تأثير واضح على نهجه الفكري، يمكن قياسه بقدر ونوعية تفاعله مع الأحداث.
البعض انبرى شتما في قطر، وأساء للشعب، وكأنه لم يصدق أن يجد له مكبا لحسرات جوفه التي كان مستعدا لبصقها على أي وجه يسمح له بمواجهته، مثبتا وجود النزق، وأزلية عقدة التسلط في جوفه، باحتقار الغير، وتضخيم الذات، ونقص معرفي، وخلل منطقي، ودون إبقاء خطوط عودة، لما نعرفه عن مجتمعاتنا الخليجية التي لا نشك بأنها ستعود يوما للعقل، والمنطق، وحبة الخشم.
البعض الآخر من المثقفين تمهل، وتردد، فكأنه كان ينتظر الطريق حتى تمتلئ بالعابرين، قبل أن يضع قدمه فيها، وقد يكون عذر بعضهم امتلاك علاقات عملية أو أدبية أو تجارية مع قطر، وهو لا يريد وضع نفسه في الخانة السوداء.
البعض الآخر حاول بتقية عوجاء درء التهمة عن حكومة قطر، ليؤكد أن أيديولوجيته متشبعة بالتشدد، وأنه يجد فيها أنموذجا عمليا لما يتمنى أن تكون عليه دول عالمنا الإسلامي، من تناقض الصورة عن الجوهر، ونصرة الثوار، والمجاهدين، وسعي للخلافة.
البعض لم تكن تهمه دولة قطر، ولكنه يخشى أن تكون مجرد خطوة أولى لنحر كيانات الإرهاب في دول أخرى يعشق مسارها مثل إيران، أو تركيا، فيكون الدور عليها في المحاسبة والقطيعة، مما يجعله يعاند بلسانه وقلمه لرسم الصور المضللة الكاذبة.
البعض القليل من مثقفي الخليج قام لأسبابه الخاصة بالوقوف صراحة مع مواقف الحكومة القطرية، وقام بتضخيم ما يشاع عن حصارها، وعن المؤامرة العالمية لسرقة خيراتها، دلالة على عدم رضاه عن موطنه.
والكثير تحدثوا بعقلانية وتوازن عن الأحداث المتتابعة، وفندوا عيوب الحكومة القطرية، باحترام تام للشعب القطري، على نهج الوضوح، وبحثا عن الحل.
ونرى البعض يحاول جر الموضوع للسفسطائية، فيعيب مستويات حرية الرأي في عموم الدول الخليجية، ويطالب بضرورة رفعها، والسماح للرأي الآخر، ودون حساسية، أو تخوين.
والواقع أن رأيهم هذا في غير محله، فلو كانت الخلافات بين دولنا بسيطة لا تتعدى وجهات نظر محترمة لتفهمنا طلبهم، ولكن ما نلمسه في القضية القطرية أنها تؤثر جذريا على كيان وحياة كل فرد في الخليج، بل وكل عربي ومسلم، مما يستلزم وجود الوعي والغيرة الوطنية، وضرورة تبني قوة المكاشفة والصد.
قضية قطر الآنية متأصلة، وهي تحدث خفية منذ عهد طويل، وكم صدمتنا علاماتها في مواقف عدة، ولكن صبر الحكومات الخليجية، وحكمتها، أجلا الحلول القاسية، فأعطت الفرص، حتى عيل صبرها.
صدقوني، ما تجمع لدى الدول المقاطعة من براهين وإثباتات دامغة لا يمكن خلخلتها بحرية الرأي، ولا تمييعها بعدم الفهم، ولا بالتسويف حتى يحترق الخليج.
قاعدة العديد لم تكن منذ بدايتها إلا درع حماية اتخذته الحكومة القطرية سترا، لتبعد الشك عنها، حين تتفرغ لنشر شرورها وإرهابها، بكل طيش، وتلاعب بمصائر البشر؛ وأمريكا برئيسها الحالي اكتشفت الخلل، فانقلبت العديد على المحتمي بها، وسقط القناع الأسود.
والمثقف الخليجي واتته فرصة وطنية لإنقاذ بلدان أجداده وأحفاده، وكم هو مشين عليه ألا يستثمرها.