النية الطيبة تخدم راعيها (1)

تعودت أن أكتب في هذه الزاوية الأسبوعية (السوق) عدة مقالات في موضوع واحد، وقد يقطع ذلك شأن في بعض الأحيان، وقد أتوقف عن الاستمرار في ذلك الموضوع طواعية لأنتقل معكم إلى شأن آخر، وأذكر أنني تناولت مع بداية صدور صحيفة (مكة) وخلال أكثر من مقالة موضوع تحرير الألفاظ ومعناها، حتى يكون النقاش ذا جدوى، وكتبت عن الصوفية، والليبرالية، والعلمانية

تعودت أن أكتب في هذه الزاوية الأسبوعية (السوق) عدة مقالات في موضوع واحد، وقد يقطع ذلك شأن في بعض الأحيان، وقد أتوقف عن الاستمرار في ذلك الموضوع طواعية لأنتقل معكم إلى شأن آخر، وأذكر أنني تناولت مع بداية صدور صحيفة (مكة) وخلال أكثر من مقالة موضوع تحرير الألفاظ ومعناها، حتى يكون النقاش ذا جدوى، وكتبت عن الصوفية، والليبرالية، والعلمانية...وعن حقيقة وجوهر هذه المسميات إذا رُدت إلى أصلها، دون ما أضيف إليها من خلط ولغط في مدلولها الأصلي، ودون ما رميت به من نفر تعمدوا ذلك الخلط أو لم يقصدوه، هي في حقيقة الأمر ألفاظ ومصطلحات أريد بها الخير والعمل الطيب..ولكن جهل من تناولوها ألقى بها في قائمة الأشياء المرفوضة والتي يجب أن تحارب، ومن هنا يجب أن نتحرى الدقة في الأسماء والمسميات ومدلولاتها الحقيقية، حتى لا نفسد عملاً طيباً لمجرد أننا لم ندقق في أصله ونشأته. ولقد رمى البعض يوماً اللغة العربية ذاتها، حين اتهموها بالقصور والعقم في استيعاب مفرزات العصر الحديث بعلومه وفنونه لدرجة استفزت شاعر النيل حافظ إبراهيم فقال مدافعا عنها فيما قال: رموني بعقم في الشباب وليتنيوئدت ولم أسمع لقول عداتيأنا البحر في أحشائه الدر كامنفهل ساءلوا الغواص عن صدفاتيولا غرو أن الرامين هنا هم أجهل الناس باللغة، لأنهم لم يغوصوا في أعماقها، ولم يكلفوا أنفسهم عناء ذلك، ولو فعلوا ودققوا وبحثوا وتعمقوا لوجدوا أن لغة القرآن المعجزة لا تضيق بشيء. ولقد حدث في الأسبوع الماضي أمر أعادني إلى الكتابة من جديد عن مفهوم تحرير الألفاظ ووضعها في سياقها الصحيح دون اجتزاء أو خلط في معانيها الحقيقية ..وذلك إثر مداخلة تلفزيونية عبر الهاتف مع محطة خليجية تعقيباً على موضوع الرسوم التي تفكر الحكومة في إصدارها أو أخذها على الأراضي البيضاء - الفراغ - داخل المدن، وذكرت ما ذكرت مؤيداً ابتغاء لوجه الله، وحباً في الوطن وشبابه المستهدفين بهذا الإجراء تخفيفاً للعبء عليهم. ولا أريد تكرار ما قلته في هذا الموضوع، ولكن من يريد معرفته بالكامل فهو موجود على كثير من مواقع التواصل. وأشكر الله تعالى على القبول الحسن الذي صادف مقولتي..ذلك أنه إذا كان الغرض هو إرضاء الله فإن الله تعالى كفيل بتحقيق إرضاء الناس، وأما إذا كان الغرض الهوى أو وسواسا، حتى يقال قال فلان فإن الله عندها سيترك القائل لنفسه، ويمنعه العون ويسلبه التوفيق والرضا. ومع ذلك فقد فوجئت ببعض التعليقات التي تدل على ضيق أفق، نظراً لعدم القدرة على تحرير الألفاظ، فقد ذكرت في مداخلتي مع القناة الخليجية، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، ذم الاحتكار، ولعن المحتكر، وأوضحت أن الاحتكار هو شراء البضائع وحبسها حتى ترتفع الأسعار وتغلو، والإسلام، كما يعرف العالمون، لم يتدخل في تحديد الأسعار، وعندما طلب من المصطفى، عليه الصلاة والسلام، أن يسعر قال: الله هو المسعر، ولكنه وضع ضوابط، فلعن المحتكر ودعا للجالب. بعض الناس اتهمني بأنني كنت محتكراً لمباريات كأس العالم وبسبب عدم تحرير الألفاظ، لم يفرقوا، جهلاً أو عمداً، بين الاحتكار والجلب، وأرجو الله أن تجل كل أعمالي تحت لفظ الجالب وليس المحتكر. فيوم لم تكن في الجامعة آلة نسخ جلبت الآلة وطبعت للطلبة ما فاتهم من محاضرات، وحين لم يكن بالعاصمة مطبخ خارجي أو مشغل نسائي، أقمت المطابخ والمشاغل، وعندما لم يكن في المملكة بريد يوصل رسائل الناس في هذا البلد – شبه القارة - أوجدت بفضل الله - البريد الطواف. ولما ضاقت الأحمال بأمانات المدن وبلدياتها، وارتفعت أكوام القمامة كالجبال أسهمت في شركات النظافة. وفي الزمن الذي كانت فيه المطارات والمنشآت تصان عن طريق شركات أجنبية بمئات الملايين ربحت صيانتها رغم ما فيها من تحديات، بعشرات الملايين، مؤسساً لفكر الصيانة في البلد. إن الأولوية لا تعني أبداً الاحتكار ..ولكنها في أبسط الأحوال ..نوع محمود من الابتكار، إذا ما خلصت النوايا ..وكان وجه الله هو القصد وصالح الوطن هو الهدف والغاية. نعم لم أحتكر كأس العالم لأرفع سعرها ولكني عانيت من سعرها المرتفع أصلاً، والذي كان يرتفع تلقائياً دورة إثر أخرى بحكم تطور اللعبة وارتفاع تكاليف صناعتها. وهذا ما جعلني أتكبد خسائر متوالية مرة بعد أخرى، وكما أقدمت على أولويات كثيرة سابقة ..فقد أقدمت على هذا الأمر ..يوم لم يكن هناك أي جهاز تلفزيون حكومي قادر على جلبه لشعوبنا، وجلبت معه كأس أمم أفريقيا، وأمم أوروبا وأقمت للعرب أول دوري عربي مشترك سعياً لتقارب شباب هذه الأمة والتفافهم على هدف تنافسي مشروع، دعماً للروح الرياضية، ودعماً لخزائن الأندية الخاوية.وظللت أعاني ..وأعاني سنوات ومواسم عدة حتى أذن الله بالفرج وأخذت كفة المنصرف تتعادل مع الوارد، وبدأ الصبر مع حسن النية يأتي بالثمار. وهنا تنبهت محطتا تلفزيون حكوميتان – مع الاحتفاظ باسميهما - ولم يعد لهما هم سوى الحقوق لهذه المنافسات وكيفية الحصول عليها دون نظر لتكاليف أو مصاريف. فقد كان القصد من وراء ذلك تحقيق شهرة وتميز لمحطتيهما وعندما وجدت نفسي أخوض معركة تنافسية غير عادلة بيني وبين دولتين غنيتين لا تضعان مسألة الربحية أو نقطة التعادل حتى في حسابهما، قررت الانسحاب، مكتفياً بشرف المبادرة والجسارة والابتكار..وأحمد الله أن نيتي الحسنة وصدق ما أقدمت عليه لم يسلماني لخسارة أو ندم، وربما في لقاء قادم بحول الله ..أحدثكم عن ساهر وما يدور حول ذلك من لغط وسوء فهم يقع فيه عادة المتسرعون الذين ينظرون إلى الأمور من منظار شخصي قاتم، ويحملون المسائل فوق ما تحتمل، ولو أنهم ردوا الأمور إلى سياقها الصحيح لعرفوا أنهم يرمون أبرياء ..في نواياهم الصادقة...وقد يقودني الحديث عن النية الحسنة إلى مكافأة تلقتها نواياي من جراء المشاركة الصادقة في مؤتمر أخبار اليوم الاقتصادي الذي عقد في القاهرة في الفترة من السابع إلى التاسع من سبتمبر ..وشاركت فيه متحدثاً في جلسته الأولى ومشاركاً في اليوم الثاني في جلساته المتنوعة. أسأل الله أن يجمعنا على خير دائماً من أجل الخير وحده..إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير.

 

1- النية الطيبة تخدم راعيها (1)

2- النية الحسنة تخدم راعيها (2)

3- النية الحسنة تخدم راعيها (3)