تفاعل

مقاطعة قطر.. الشرخ بين الزعامات والشعوب

سهام الطويري
تأتي مقاطعة قطر من قبل الحكومة السعودية بعد سلسلة متتالية من الأحداث السياسية التي لا يدركها الشعبان، وللقادة السياسيين استراتيجياتهم التي يرون من خلالها ضرورة تحقيق المصالح لبلدانهم، إلا أن قرار المقاطعة الذي كان ولا بد منه يلقي الضوء على طبيعة العلاقة بين شعوب الخليج العربي التي تتصاهر منذ القدم فيما بينها.

العلاقة بين شعوب الخليج ليست كالعلاقات بين شعوب الدول العربية التي كانت توحدها الشعارات القومية ثم شتتها الشعارات الحزبية. العلاقة بين الشعوب الخليجية هي علاقة نسب لا تتأثر بالخلافات السياسية ولا يمكن أن تبتر بسببها.

في هذا الصدد تحاول بعض الأيدي العابثة في وقت الفتنة والإرهاق النفسي العصيب هذا وتقوم بمحاولة سكب الزيت على النار بين شعوب الخليج. لا يجدر في هذه المرحلة سوى اتباع سياسة الابتعاد عن تبني الآراء السياسية لغير المتخصصين فيها. ولقد صدق الراحل الكبير الدكتور غازي القصيبي حينما قال: دعوا الشعوب ولا تزجوا بها في الخلاف.. الشرخ بين الزعامات يسهل رأبه، أما الشرخ بين الشعوب فيورث حقدا أسود، تتوارثه الأجيال.

لم يكن قرار عسير كالذي تتخذه المملكة العربية السعودية أمرا يسيرا ولا عبثيا ولا عنتريا أبدا.. قطع العلاقات الدبلوماسية بين بلدين شقيقين متصاهرين ليس إلا المرحلة الأخيرة بعد استنفاد العديد من محاولات حل الخلافات، والتي لن يتم حلها بعد هذه المرحلة إلا بقرارات نهائية، لا شأن للشعوب المتجاورة في الخليج في هذه المرحلة المؤلمة أن ترفع شعارات العدائية فيما بين القيادات السياسية من خلافات أساسها سياسي ودبلوماسي لا علاقة له بقطع أواصر القربى، فالقربى موجودة والمصاهرة لا تقطعها أي علاقة عمل مهما كانت شائكة.

خروج بعض السذج من كلا الطرفين ومبالغاتهم بلغات العداء من شأنه أن يبذر بذرة الحقد الأسود بين الشعوب، والتي لن تنتزع بعدما يتم حل الخلافات السياسية. الخلافات السياسية في الخليج العربي موجودة بين الفينة والأخرى، ولم ولن تؤثر يوما على استقرار الداخل الخليجي، لأن تركيبته متداخلة ومتناغمة بشكل عميق فيما بينها، كما أن مؤججي الفتنة في بعض الدول العربية حري بهم أن يلتزموا الموضوعية في عرض نقاط وبؤر الخلافات السياسية، فلا شأن لهم فيما بين الشعوب الخليجية أبدا.

السياسة والدبلوماسية السعودية رصينة جدا وهادئة ولا تتخذ من أنموذج المهاترات والمراهقات قدوة لها، فالمدرسة السياسية السعودية منذ عقود طويلة تعتبر مرجعا ثقيلا في وزنه حينما يهم باتخاذ قراراته الصارمة. ويبقى الخلاف السياسي الخليجي شأنا خليجيا خاصا بالنخبة السياسية ذات الشأن والقرار السيادي، لا شأن للشعوب الخليجية في تأجيجيه أو اعتباره أداة إشعال حرب. ستنتهي خلافات البيت الخليجي، وسيتم حل الإشكالات من قبل القادة السياسيين، وتبقى الشعوب الخليجية هي ذاتها في تقاربها وتصاهرها لا تستلطف أبدا شعارات مؤججي الفتن من خارج الخليج.

sehamaltwiri@