الغربة ليست أمرا حديثا كشف الستار عنه في عصرنا الحديث، فالتاريخ صور لنا الكثير من قصص الغربة والمغتربين بداية بأبينا آدم -عليه السلام-، تغرب من دار النعيم إلى أرض لا تمثل له إلا عقابا من رب حكيم عظيم.

الاغتراب والرحيل عن بيئة ترعرعنا بها واعتدناها وكان لها نصيب في تكوين ذواتنا سلاح ذو حدين. شقه الأول هو ما يجعلك تندد عندما تضيق بك جدران داخلك بـ»تبا لغربة» انتزعتني من بين أحضان عائلتي، أصدقائي، بيتي، وطني، هو ما يجعلك في لحظات -عندما يستعمر الحنين قلبك - تتمنى أن ترمي كل ما بنيته وعشته في غربتك وراء ظهرك وتهرع عائدا لأرواح تتوق لأن ترتمي بين أحضانها.

شقه الآخر أكسب المغتربين الكثير وسطر الكثير من التجارب والمعاني في كتب حياتهم، البعض أعادت الغربة تعليمه أبجدية الحياة من جديد، والبعض في طور التعليم، ولكن لا يوجد من لم تلقنه الغربة أحد دروسها، وحتما لا يوجد من لم يدفع ضريبة غربته.

دائما حاول بأن تصقل غربتك لتكون جزيرة تحيطها مياه المنفعة. حارب حنينك لكل ما كان بالاجتهاد بما اغتربت لأجله، فاجتهادك إطار يبروز نجاحك، اجعل غربتك غيمة ممطرة تدر عليك بالخبرات والتجارب النافعة، كن خير ممثل لدينك ووطنك وذاتك، واترك بصمة لا تطويها السنين، وتذكر أنك لم تأخذ لقب (مغترب) لتتحصل على اللاشيء منه. ما أعظمك عندما يكون النجاح والتفوق والتميز هي نتاج غربتك.