تفاعل

غرابيب سود.. ثم ماذا بعد ذلك؟

تعرض مجموعة mbc في كل ليلة من رمضان حلقة من مسلسل غرابيب سود؛ الذي يعني عنوانه باللغة العربية الجبال السوداء؛ وفيه تبدو أغلب الأشياء باللون الأسود من ملابس النساء وكذلك الرجال وأعلام الدولة الإسلامية كما يصفها المسلسل، وكذلك مظاهر الحزن ومشاهد القتل التي تتكرر في الحلقة أكثر من مرة؛ ولا أعلم ما علاقة المسمى بالأحداث، فقد تكون ضخامة الأحداث كضخامة الجبال أو فيه إشارة إلى الحزن والاكتئاب كأحد معاني اللون الأسود الذي من تعبيراته أيضا الفخامة والرسمية، وأحيانا الغموض في بعض المواضع.

والمتابع لأحداث المسلسل يجد أنها تدور حول آلية عمل داعش وتوظيفها للدوافع في إيجاد بيئة جاذبة للمحاربين مثل تحقيق الذات والمكانة وإشباع غريزة الجنس وحب المال، والعمل على إبراز مظاهر القوة والنفوذ؛ ما يجعل المتابع غير الخبير بخفايا طبيعة التنظيمات الإرهابية يعتقد أن ما يشاهده وضع طبيعي لدولة قوية ويزداد الأمر خطورة عندما يتم ربط ذلك بالإسلام حيث يتناول المسلسل مفاهيم إسلامية راسخة مثل السمع والطاعة لولي أمر المسلمين، والحسبة والجهاد بما يعزز فكرة أن ما يمارس هو من تعاليم الدين؛ فداعش تقدم نفسها باسم الدولة الإسلامية، ومن الطبيعي أن تقوم بذلك لإضفاء الشرعية وتحقيق أكبر جاذبية ممكنة؛ لكن هل هي فعلا دولة يعترف بها المجتمع الدولي حتى يقدمها المسلسل ككيان له مقومات ومؤسسات؛ وهل ما يمارس هو الإسلام حتى توصف بالإسلامية كما يقرره السيناريو على مرأى ومسمع من ملايين البشر في كل ليلة من رمضان.

لا شك أن للدراما دورا كبيرا ومؤثرا في تقديم صورة لواقع معين وتقديم رؤى وحلول لمشكلة ما، ومن المهم أن يصاحب ذلك معالجة درامية حرفية وفق نظرة موضوعية محايدة وأهداف محددة حتى تكون الصورة دقيقة. وقد يكون الهدف من عرض مسلسل غرابيب سود؛ وعظ مؤيدي داعش ومحاولة تغيير اتجاهاتهم عند تسليط الضوء على ممارسات التنظيم وتصويرها بعمل درامي مؤثر؛ ولكن هل تلك الأعمال ذات الطرح الأحادي تحظى بمتابعة ممن يرون تحريم النظر إليها! وكيف يتم تصحيح فكرهم وهم يعتقدون بأنه صحيح ولا يؤمنون بوجود المشكلة أصلا! وعلى افتراض المتابعة فهل يرى مؤيدو داعش أن مشاهد القتل الجماعي أمر وحشي أم إنه دلالة للنصر والتمكين؛ وهل وجود خيارات متعددة ومتاحة للتلذذ بالنساء شيء سلبي أم إيجابي وفق ما يؤمنون به من معتقدات!

وعند النظر إلى أن الهدف وقائي للحد من خطر تأييد تنظيمات الفكر الإرهابي واعتبار داعش نموذجا في هذا المسلسل؛ فإن ما يتم تقديمه من مشاهد وإيحاءات جنسية ومواقف لتقدير الذات وفرص عديدة لتحقيقها؛ يعمل على جذب بعض الشباب ويعد بيئة جاذبة لمن يعانون من الفراغ وبعض الاضطرابات النفسية في ظل نقص التوجيه وبرامج العناية والرعاية؛ كما أن إضافة صبغة الدولة الإسلامية على التنظيم وإبراز جوانب القوة في مؤسسات الدولة المزعومة له تأثيره النفسي غير المباشر في إيجاد صور ذهنية غير واقعية عن تلك التنظيمات على أنها دول حقيقية؛ ويعمل على التهيئة الذهنية للتفاعل مع العوامل المختلفة حولها بشكل لا شعوري.

ومن هنا يمكن القول بأن مسلسل غرابيب سود؛ قد يخدم داعش وغيرها من العصابات العابرة للحدود ولم يسئ إليها بقدر ما أساء للإسلام عندما تم اجتزاء بعض المفاهيم الإسلامية كطاعة ولي الأمر والجهاد وتجريدها من معناها الحقيقي بفصلها عن ظروفها الطبيعية وربطها مع ظروف داعش في نص درامي خبيث؛ وفي نظرية الإشراط الكلاسيكي في علم النفس تفسير علمي لما يخطط له، فداعش مثير طبيعي للفوضى والقتل والتدمير والعدوان وعندما تقترن داعش مع الإسلام في نصوص درامية تحاكي الغرائز والحاجات بشكل مركز لمدة شهر كامل ومتقطع على مدار العام يصبح الإسلام مع الوقت مثيرا شرطيا لكل ما تفعله داعش، وتتشكل الصورة الذهنية أمام العالم بأن المسلمين هم الدواعش، والدواعش هم المسلمون؛ والعامل المشترك هو الإرهاب. فماذا يريد من أنتج العمل؟ أو من قدمه؟؛ وماذا بعد ذلك!!

وقفة: عندما تموت المبادئ يصبح الفن عفنا.