الرأي

التشدد يستغل الأزمات

شاهر النهاري
رغم ما برز مؤخرا من خلافات خليجية قوية مع الحكومة القطرية، حيال ما صرح به أمير قطر الشيخ تميم، ومن ادعاء حصول اختراق، ثم العودة لإثبات عكسه بالارتماء الكامل في أحضان حكومة الملالي الفارسية، إلا أن الأمر يظل في منطقة تستغلها بعض الأصوات المتشددة. ومواقف حكومة قطر لم تكن شاذة مستغربة متعارضة فقط منذ نهاية قمم الرياض الثلاث، ولكنها أمر تعودنا عليه منذ حرب الخليج الأولى، حين شعرنا أن في قطر من يريد أن يسود، ويكون البطل الأسطوري القالب للموازين الخليجية، رغم كل العهود والمواثيق الأخوية. حكايات لم تكن تخفى على مراقب سياسي، أو شخص عاقل يدرك الفروق، فالتشدد يحدث على مستوى أوسع، لدرجة وجود من يؤيد ما تفعله حكومة قطر في الإعلام، حتى في منازلنا الخاصة. الفكر المتشدد هو ما يحرك حكومة قطر، ليس بكامل رجالاتها، ولكن بمفهوم قلة، كتب الله أن يكونوا مؤيدين للتشدد. ويبقى أن ننظر للشعب القطري الشقيق الأصيل، وممن لا ذنب لهم فيما يحدث، وباعتبار أننا كحكومات وشعوب خليجية لا نملك الغل حتى للشعب الإيراني، المسير بواسطة حكومة الملالي، وبالتالي فلن تجد فينا من يسيء للشعب القطري الحبيب، والذي لا نشك في محبته وتقديره لنا وللشعوب العربية. ونعود للفكر المتشدد، وهو تيار عقائدي قد يكون فرديا، أو جماعيا، وقد نجده بين أفراد من أهالينا الأقربين، ومما لا يمكن تغييره مهما حرصنا، فمن يتشدد لعموم فكر ما فهو يمتلك عقلية متصلبة عنيدة، ومهما ارتفعت أسهم ثقافته، إلا أنه وربما دون وعي منه، أو ربما بخبث شديد، يفهم ويفسر كل أحداث الكون، من منظور التشدد الضيق، وبأماني العودة إلى القديم. المتشددون اليوم بيننا يذودون عن حاكم قطر، ومهما بلغت نقاط انحرافه عن هيكلية الصف الخليجي، بكل عصارة أفكارهم، ومرافعاتهم، وتغريداتهم، ومناقشاتهم، وكل ذلك يحدث بواسطة التقية، وذر التراب في الأعين، والتبرير غير المنطقي، والتشكيك، وتخوين كل من يعارض منطق الشيخ تميم، أو حتى من يجده غير مقنع. المتشددون لا يهمهم خبث المتشدد طالما أنه يحقق لهم أمنياتهم بالسيادة الموهومة، ولن يقنعوا بخطئه حتى ولو ارتمى علانية في حضن الملالي، وتعاضد مع شياطين جماعة الإخوان، وتقاسم رعايتهم مع دول شريكة بالتشدد، تستقطبهم وترعاهم، وتدعمهم، لتأكيد نشر إرهابهم، حتى يستمر الخوف، والتفجيرات، والإرهاب بين دول الجوار. أطياف المتشددين يشككون في كل جهد تقوم به السعودية، والإمارات، والبحرين، والكويت لحماية شعوبها وأراضيها، ولصيانة سياستها من عبث ومقالب قطر، التي عايشناها طوال ثلاثة عقود مع سيرك قناة الجزيرة، الذي حور معاني حرية الفكر إلى تخوينه. صدقوني أننا لن نتمكن من إقناع المتشددين بأي حقيقة جلية كالشمس، فعقولهم مغلقة بالزيف، وطرقهم ملفوفة لزجة، تبرر كل حدث بسيط، بأنه مؤامرة عالمية، وخيانة، وبأن المتشدد، الذي يعشقونه لا يمكن أن يقع في الخطأ، مهما انكشفت أوراق زيفه المتراكمة، ومهما اعترف بما يفعله علانية؛ وفي النهاية سيغفرون له، ويجدون له من عسره مخرجا.