الرأي

ادخل برجلك اليمين

دبس الرمان

هبة قاضي
سألتني (ما خطتك لرمضان؟) ابتسمت لها وأنا أرد (سأصوم) نظرت إلي نظرة من يعتقد أن من أمامه يستخف به (أكيد حتصومي قصدي أيه خطتك لختم القرآن والتراويح وعمل الخير وأوقات الدعاء وليلة القدر والتختيم و..) قاطعتها ضاحكة (كل هذا!) هذه المرة شعرت بأنها لو كانت تمتلك حجرا في يدها لرمتني به، مستطردة بعدها بغضب (استغفر الله بتتريقي على رمضان والعبادات)، فقلت لها بصوت أسكنته بالهدوء (حاشا لله، ولكنني مقتنعة أنني بحاجة للتركيز على طقوسي الداخلية والتي ستقودني تلقائيا لما أركز عليه من طقوس خارجية). حسنا دعونا نتخيل رمضان كصيدلية مليئة بالأدوية الروحية التي تقوم في هذا الموسم بعمل حسم مغر لعملائها. أفتراك تذهب للصيدلية بدون وصفة! لا طبعا أنت تحتاج الوصفة. ولكن الجميل في هذه الوصفة أنك أنت من تكتبها لنفسك، نعم الموضوع بهذه البساطة، ليس هناك من هو أعلم بحالك منك أنت، وليس هناك من يستطيع مساعدتك كمساعدتك لنفسك التي تألفها وتعرف مواطن قوتها ومواطن ضعفها أكثر من أي شخص آخر. نعم لست بحاجة لاطلاع أحد على أسرارك ودقائق أمورك، يكفي أن تعرفها أنت ومن ثم تعي كيف تعالجها. ولكل منا وصفة مختلفة، فبعضنا بحاجة لتجاوز نفسه التي أكثر من التركيز عليها طوال العام حتى ضجت به وضج بها. فتجده يخطط كيف يخرج لمساعدة الآخرين والتطوع بوقته وعلمه لمنفعتهم، واضعا نفسه للمرة الأولى في آخر سلم الأولويات، مذكرا نفسه أنه ليس محور الكون، وأن الحياة أكبر من ذاته التي تضخمت بفعل لهاث الشهرة وسعار الطموحات. بينما يخطط آخر للانعزال والتقليل من الكلام واتخاذ البساطة والقلة طريقا لتزكية نفسه، وإماطة الأذى عن طريق التنوير إلى قلبه. وربما شخص آخر يقرر أن يكون في رمضان في أقصى حالاته الفكرية نشاطا وانطلاقا، ليقرر أن يكتب كل تلك الأسئلة التي لطالما حيرته ولم يجد لها إجابة شافية من شيخ أو فقيه، ليبحث بنفسه عن الإجابات ومن يطرحها للنقاش والترائي ليكون بعدها رأيه الخاص والأهم يبدأ بتكوين فكره الخاص. لكل منا عقله. ولكل منا قلبه، ولكل منا قناعاته وظروفه وطريقة عيشه. لذا من الطبيعي أيضا أن يكون لكل منا رمضانه. نعم من الطبيعي أن تعيش رمضانك مختلفا عن الباقين، ومن الطبيعي أن تكون وصفتك الداخلية مختلفة باختلاف طبيعتك واحتياجاتك وتطلعاتك. لذا أمسك ورقة وقلما وابدأ بكتابة ما تواجهه من صعوبات ومشاكل واحتياجات بكل صدق وصراحة، فتلك البداية الصحيحة لتطوير وإصلاح أي شيء. ثم ابدأ في كتابة ما تعتقد أنك تحتاجه من تزكية للنفس لعلاج هذه المشاكل. فقد تكون مغلولا وتحمل أطنانا من الحزن، فذلك يعني أنك بحاجة إلى جرعات عالية من التسامح. وقد تكون ممن طال بهم الابتلاء والطلب لشيء معين يأبى أن يتحقق أو يفرج، فهذا معناه أنك بحاجة إلى مرهم اليقين مع الصبر الجميل لتدهنه على روحك صباح مساء حتى لا تعود تشعر بحرقة الحرمان ومرارة الانتظار. وقد تكون ببساطة في نعمة غامرة وصحة عامرة وأمن مستبب ولكنك تعاني اكتئاب الرفاهية واعتياد النعمة، وهنا ليس أفضل من جرعات عالية من الشكر والامتنان، فليس مثلهما دواء لراحة النفوس ودوام القدوم. وكل عام وأنتم أعزائي متنورون. hebakadi@