مدخلي: الرواية تستيقظ في الوقت المناسب.. ولو نامت كثيرا
الاحد / 18 / شعبان / 1438 هـ - 07:30 - الاحد 14 مايو 2017 07:30
يخوض الروائي الشاب جابر مدخلي تجربة خاصة يحاول فيها اكتشاف عالم الرواية الذي يتجاوز مجرد الكتابة الأدبية ويصل إلى اكتشاف مراحل أخرى تصبح فيها الشخصيات جزءا من حياة الكاتب اليومية، بل ومن حياة أصدقائه الواقعيين أيضا. مزيد من هذه التجربة في هذا الحوار:
1.بعنوان جريء وصادم آخر يقتحم الروائي جابر مدخلي عالم الرواية الهادئ في الفترة الأخيرة .. لماذا كل هذه الجرأة والمباغتة؟
العنوان هو العتبة الأولى التي يواجهها القارئ، لذا كلما كان العنوان قادرا على جلب من يقرأ قصتك أو حكايتك أو روايتك فأنت بهذا أعطيت فرصة لنصك أن يصبح متناولا، هذا من جانب. ومن جانب آخر وهام يتوجب أن يكون خلف عنوانك نص ذو قيمة فنية، فليس كل عنوان جاذب قادرا على إتمام شروط النص الروائي، فثمة عناوين جاذبة ولكن خلفها نصوص مصابة بالوهن لم تستكمل حتى شروط الرواية.
وأما عن هدوء المشهد الثقافي، كما وصفت، فلا أعلم لماذا أتيت الآن بروايتي هذه، وكيف أمكنني في هذا التوقيت تحديدا التخلص من قسوة الجمود التي عادة ما تنقلب علينا لنحملها لتبدو سمة لنا، أو لنصوصنا.. ربما هي المباغتة التي جعلت من روايتي بعنوانها الجريء الصادم ـ كما وصفته ـ أن تولد في هذا العام الهادئ فعلا.
2.ما الذي تتحدث عنه رواية إثبات عذرية؟ وماذا عن شخوصها وأبطالها؟
تتحدث عن الكثير. ففي هذه الرواية أخذت مسارا مختلفا عن روايتي الأولى كليا، فهي تحمل التاريخ والسياسة والإنسان بكفة، وتحاول بكفة أخرى خلق أجواء حكائية معتمدة على شخصيات تستمد قدراتها من سرد حقبة أمة منصرمة عاشت حياة مليئة بالأحداث التي كانت ولا تزال بالنسبة لنا دروسا وعبرا نتمنى أن لو يعود الزمن بنا لنقف عندها ونتعلمها ونلقنها لأبنائنا، لما فيها من قيم ومثل تلاشت واندثرت، ولم يبق لنا غير تدوينها أو حزننا عليها. حياة تستحق على الأقل ـ كما شعرت وأنا أدون أحداثها ـ الخلود. كذلك يذهب النص إلى كثير من القضايا الوجودية ليتناولها ويؤكد أهمية أن يحيا المرء حاملا ثقافته الموروثة كجواز مرور في كل زمن ينتقل إليه.
وأما عن شخوص رواية (إثبات عذرية) فهم كأي شخوص آخرين لأي نص روائي آخر، عدا أنني مع شخوصها عشت حياة طويلة استمرت سنين خلقت بيننا من العشرة ما بين الأصدقاء الحقيقيين، وغدت بيني وبينهم من القرابة والألفة ما أشعرني وكأنهم إخوتي فعلا لا مجرد أبطال من ورق. أحسست بهم لحدود أنني لم أعد أستطيع الخلاص منهم، ولا التخلي عنهم، ولا أكاد أنسى من حبي لأحد أبطال الرواية (حاسر) في فترة ما فتحت له حسابا على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، ورحت أصنع له أصدقاء وكتابا وأدباء من كل أقطار العالم العربي، وأتحدث على لسانه كما لو أنني هو . ثم غيرت اسمه، ثم أعدته بعد صدور الرواية وأضفته كأحد أبنائي. تعلقت به لحدود أنني أردت له حياة واقعية ولو على طريقتي التي أعي تماما أنه لن يشعر بها، ولن أجده يوما ما واقعا ليشكرني على صنيعي هذا، لكنه التأثر الحقيقي بمشاعرنا التي نكتبها، وأحاسيس أبطالنا حين يحملون همومنا ويدافعون عنها، أو يصرخون نيابة عن أصواتنا.
3. هل يتعمد الروائي جابر مدخلي اختيار مثل هذه العناوين الحساسة، أم إن الأحداث في النص الروائي هي التي فرضت عليه ذلك؟
يعلم القارئ أن العنوان أساسي سواء تعمده الروائي أم لم يتعمده. فهو يعد عنصرا مجاورا للنص ومحيطا به، وقد يعد المعبر الأول والدلالة الأولى على النص التخيلي، أو الواقعي، أو نصوص السير الذاتية. ولو عدنا إلى روايات العقد الماضي وعناوينها لوجدنا أنها تمثل إما طقوسا خاصة بالمجتمع، أو قضايا أزلية حاول الروائي الإسهام في تقديمها للمشهد أو الإشارة إليها، أو أنها عناوين قد تتعلق أو ترمز إلى حياة الكتاب أنفسهم. فكذلك اليوم نحن أمام عناوين قد تفرض على الكاتب أحيانا بطريقة أو بأخرى دون تدخل منه، إما أثناء كتابته لمسودة العمل منذ البدء، أو بمنتصف أفكاره، أو ربما يجيء بعد ولادة عدة عناوين، وأحيانا قبل بعث المسودة إلى دار النشر بأيام يولد عنوان جديد فتحمله الرواية. العنوان لا يزال يحمل الحساسية والتأثير. وهو الباب الطارف دوما وجواز عبور للقارئ، يمكنه من خلاله تقرير أو توقع بعض أحداثه، مما يجذبه لتعاطي النص بأكمله في محاولة لتأكيد ما توقعه أو نفاه، أو حصوله على مفاجآت جديدة ومشوقة على عكس تنبؤاته.
4.كيف تقيم الساحة السردية المحلية في الفترة الأخيرة؟
الساحة المحلية برأيي منغلقة على نفسها مع أن ما يحدث اليوم في دائرة صغيرة وضيقة يمكن انتشاره بشكل سريع، تحديدا في هذا العالم اليدوي المحمول. وأرى أنه يمكنها أن تعاود النشاط من جديد، فأمامها حاليا الانفتاح الجديد على السينما ودور العرض، ويمكن للكتاب التسلح بنصوص قابلة للتحول إلى أفلام قد تحدث نقلة نوعية للتعريف بالمجتمع، وجعل النصوص السعودية تتحول إلى نصوص مدبلجة أو مترجمة بعد تمثيلها أو جعلها أفلاما قادرة على إقناع العالم بأحداثها، وحكاياتها، ونصوصها المؤثرة.
وعموما، لا توجد فترة أخيرة للرواية أبدا، هناك خمول موقت فقط، وتظل الرواية هي النوع الأدبي الذي يستيقظ في الوقت المناسب، ولو نام كثيرا.