تفاعل

الخوف أم الأفعى

امتنان محمد برناوي
هل تعرف النصر، هل تذوقت طعم الفوز مسبقا، حتما ستكون إجابتك بالإثبات وأنا كذلك معك، ولكن أدركت أخيرا أني أجهل نكهته الحقيقية حتى وقعت تلك اللحظة.. وأي لحظة؟! اللحظة التي شعرت فيها بأقصى مراحل الألم والحرقة، حتى قررت أن أحيلها لمنحنى آخر تماما فانتقل المنظر من الكآبة إلى أزهى المناظر التي يمكن أن تراها أعيننا، رأيت مشهد النصر الفعلي. دعني أصف تلك اللحظة ومدى الألم الذي ارتبط بها في بادئ الأمر. حتما لم أشعر مسبقا بألم احتضان الأفعى لأجسادنا البشرية الرخوة، ولكن تأملته في أعين البشر الذين لم يحالفهم الحظ ممن تذوقوا ذلك الحضن ومرارته وما يحمله من ألم وموت محقق بين جنباته، كل ما أستطيع قوله إني في تلك اللحظة تشربت نفس الشعور الذي وصلني من أعينهم، نعم شعرت بتلك الأفعى تلتف حولي رويدا رويدا، بل وتعتصر جسدي أكثر وأكثر.. ولكن ما هي تلك الأفعى، إنه الخوف، نعم الخوف.

شعرت به وهو يكبلني ولم أملك أدنى حيلة حينها، بل فكرت كثيرا في الاستسلام، وأخذت ضربات قلبي تتزايد أكثر وأكثر، ومن ثم أصبحت «أنهج» لأنه تمكن مني فعلا.. فجأة صرخت ذاتي وهي تغرق بداخلي وقالت.. هيهات، هيهات أن يحدث ذلك، أخذت تناجيني وتقول لن نستسلم ونحن هنا اليوم، لن نستسلم بعد ما تعلمناه من كل كتاب قرأناه، وكل قلم تذوقنا طرحه، بل كل فكر انغمسنا فيه عميقا، لا ولن نخضع. هنا كل وجل ما أذكره أن لساني لم ينطق، فقد اكتفى بذاتي حينها وهي تصرخ وتقول كفى، كفى أيها الخوف وإلى متى؟! نعم أنت قد نلت مني سابقا ولكن ليس بعد هذه اللحظة. عزيزي القارئ، هل تذكر ذلك المنظر البطولي في المغامرات القصصية حينما يكسر البطل المغوار تلك الأغلال التي تقيده باستخدام قواه الداخلية الخارقة! نعم أنا أيضا عشت تلك اللحظة وشعرت أني أحطم تلك الأغلال التي احتضنني بها الخوف، لإدراكي التام أن السر يكمن في فكري، استطعت فعلا أن أتحرر من ذلك الخوف الذي عزم أن يتمكن مني كما يفعل في غالب الأمر. حينها ركضت بعيدا وبأقصى سرعة حتى لا يلحق بي بعدها. خضت تجربة لو أردت أن أحكيها لسطرت كتابا كاملا عنها. هنا أقول شكرا أيها الخوف لولا وجودك لما تعلمنا، شكرا أيها الكاتب لولا قلمك لما تطورنا، شكرا ذاتي لولا عزيمتك لما تقدمنا.

الخوف أعظم من تلك الأفعى فهي تقتل مرة، أما الخوف فيقتل مئة مرة.