الرأي

وقادت.. وقاد!

(تنويه: هذا المقال افتراضي بكل ما فيه). وأخيرا وبعد ستة وعشرين عاما من المطالبات الحثيثة التي لم تترك طريقا إلا وسلكته ولم تغفل عن باب بدون أن تطرقه، أخيرا قادت المرأة السعودية السيارة مثل غيرها من نساء العالم الغربي والشرقي والعربي والخليجي والإسلامي، وما بدا بالأمس القريب أنه أصعب قرار سياسي يمكن اتخاذه على الصعيد المحلي، أصبح اليوم قرارا عاديا، وأقل من عادي، وكان من الممكن تقريره منذ زمن بعيد وبالتالي تفادي عقود معقدة من الاحتقانات الداخلية والإحراجات الخارجية المرتبطة. صدر القرار، المعقد افتراضا، بلا تعقيدات وبلا اشتراطات أو أزمات جديدة تفترض تعقد الممارسة وتفرض بالتالي تعقيد التطبيق. ببساطة أصبح للمرأة أن تقود وكأنها لم تمنع يوما، وكأن الزمن عاد للوراء ثمانين عاما أو ما يزيد عندما دخلت السيارة المملكة لأول مرة فانتفع بها الرجال والنساء سواسية بلا فرق وبشكل طبيعي واستمر كذلك. صدر القرار منذ بضعة أشهر ومع ذلك لم تقد سوى قلة من النسوة اللواتي تقطعت بهن السبل وتعطلت أشغالهن حتى قدن. من هؤلاء القلة قادت نسوة وقفن ضد المطالبات بحق القيادة بكل ما أوتين من تناقض. أخريات فضلن الاحتفاظ بالسائق لأن ذلك أنسب لنمط حياتهن، فئة أخرى خافت من القيادة وهو الأمر الذي لم يعتدنه وفضلن البقاء في منطقة راحتهن «their comfort zone»، وهناك من توجسن من ردة الفعل ففضلن الانتظار والمراقبة عن بعد حتى تطمئن قلوبهن. ولذلك لم تزدحم الشوارع كما افترض كثيرون، فالحالة الاقتصادية لمعظم الأسر لم تسمح بتوفير سيارة للرجل وأخرى للسائق وثالثة للمرأة وربما رابعة وخامسة حسب عدد أفراد الأسرة البالغين، وإنما استبدلت العوائل المشاركة سيارة السائق المتواضعة بسيارة تليق بالقائدة، مما نتج عنه انتعاش مباشر لسوق السيارات في المملكة، الأمر الذي انعكس إيجابا على اقتصادها. وبالحديث عن انتعاش الاقتصاد، فقد تسبب هذا القرار بالاستغناء عن 400 ألف سائق أجنبي في بضعة أشهر فقط، وهو تقريبا نصف عدد السائقين الأجانب الموجودين حاليا في المملكة، وبالتالي توفير حوالي 12 مليارا من التكاليف المتراكمة السنوية المرتبطة باستقدام السائقين واستخراج تأشيراتهم ورخص السير الخاصة بهم، ثم توفير مساكنهم ومأكلهم ومشربهم وعلاجهم ورواتبهم. وقبل أن أنسى ومن باب أمانة التوثيق الافتراضي، حدث أن حد شاب بسيارته سيارة قائدة في إحدى المناطق بهدف مضايقتها وإخراجها من الطريق وإثنائها عن القيادة، وذلك خلال أول أسبوع من صدور القرار، لكن ما لبث أن وجد الأخيار من رجال المجتمع - وهم أكثرية - له بالمرصاد، فأوقفوه وسهلوا خروج القائدة بسيارتها لإكمال طريقها، ووصل المرور في حينه واتخذ الإجراء الرسمي بحق الشاب ابتداء بإعطائه مخالفة قيمتها 500 ريال وانتهاء بسحب سيارته لمدة يومين. لم يجرؤ أحد بعدها أن يعترض طريق قائدة، واليوم غدا منظر امرأة تقود سيارة على أراضي المملكة أمرا اعتياديا ومسلما به، اليوم اتفق المجتمع وتوحدت الصفوف.. وقادت.. وقاد! alyamit@makkahnp.com