تفاعل

فكوا العاني.. عن أي عان نتحدث؟

أصوات الآهات تعلو قضبان السجن المتينة، وسياط الجلادين تركت ألوانا متدرجة على ظهور السجناء، أصوات السلاسل التي كبلت أقدامهم وأيديهم يرتد صداها من جدران الممرات المتسخة، إنهم مجرمون من الدرجة الأولى، هؤلاء يبحثون عن إثارة الفتن، إنهم إرهابيون.

لا بد لي أن أستدعي كل الصور الذهنية عن التعذيب وما يمكن أن تكون عليه السجون، فهي مكان يضم من يشكلون خطرا بالغا على الدولة والشعب وأقرب الناس لهم بل وعلى أنفسهم.

كان ذلك وأنا في طريقي إلى سجن المباحث العامة «الحاير» جنوب الرياض، تذكرت متحف التعذيب في عاصمة التشيك - براغ - وصور سجن أبوغريب سيئ الذكر في العراق، وجوانتانامو، كما حضرت في مخيلتي قصة أحد السياح في بلد عربي عندما أطفئت السجائر في ذراعيه داخل سجن لا يعلم عنه أحد سوى الله، والسبب تعرض سيارته لحادث مروري وهي متوقفة بأحد شوارع العاصمة تلك.

قابلت مجموعة من الموقوفين لم يكتمل نمو شعر وجوههم، كان ذلك ضمن زيارة لسجن الحاير مع مجموعة من منطقة الجوف، صافحتهم في مكتبة السجن المليئة بالكتب المتنوعة ضمن جزء خصص للترفيه وممارسة الرسم، والقراءة، والتبضع من البقالة، كما حوى هذا القسم حلاقا ومغسلة، وفي الطرف الآخر قابلت ثلاثة شبان يصدحون بأصواتهم الجميلة في استديو تسجيل لفت جدرانه عوازل الصوت ليكون التسجيل ذا جودة عالية، آخر يجلس على جهاز المونتاج ليضيف اللمسات الأخيرة على برنامج «ستاند أب كوميدي» ينتقد تصرفات بعض الموقوفين بشكل كوميدي.

قبل ذلك قابلنا مجموعة من النساء العاملات في «بيت العائلة» وهن بكامل احتشامهن، يقمن على إدارة هذا الفندق الداخلي، الذي خصص لأسر الموقوفين، ليكون اللقاء الأسري حميميا لأقصى حد، ملاعب للأطفال، وللنزيل في هذا الفندق حرية التحرك أينما شاء، المطعم مجهز بالعديد من الأطعمة وفقا لمواعيد الوجبات الثلاث، ثلاجة الغرفة مليئة بالعصائر والحلويات، لا يمكن أن تشعر ولو للحظة داخل هذا المكان بأنك في مكان مخصص لفئة اتخذت من الإرهاب مسلكا لها.

قابلت أيضا اثنين من الموقوفين يتلقيان الرعاية الطبية في مستشفى السجن المهيأ بكل الأجهزة الطبية، والكادر الطبي المتكامل.

قابلت أيضا مجموعة اشتغلت بالزراعة في بستان جميل يحتوي على عدد من البيوت المحمية.

في هذا السجن تحققت أحلام كثير منهم، بعضهم حصل على تعليمه الجامعي، وبعضهم تزوج، وبعضهم رزق بذرية أسأل الله أن تكون صالحة.

أما الجزء الآخر من الزيارة فكان لمركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية وهو بحق مركز رائد في المعالجة الفكرية لكل من يقيم فيه، قابلت فيه مجموعة من العائدين من جوانتانامو، يعمل المركز وفقا لرؤية علمية ضمن عدد من البرامج المنوعة، مما جعله يستقبل الكثير من الوفود العالمية للاستفادة من خبراته في هذا المجال.

أعلم أني في هذه الجولة دخلت سجنا ولا يمكن أن يختزل الموقف في صور وردية، فهؤلاء موقوفون في قضايا بالغة الخطورة، وتهدد أمن المواطن والوطن، ويجب أن يأخذ العدل مجراه فيهم، وإقامة حدود الله فيهم أمر لا مجاملة فيه، إلا أن التعامل معهم بهذه الروح الأبوية وهذا الرقي البالغ لا يمكن أن يكون إلا في بلد حكم شرع الله، وينظر لأبناء الوطن بنظرة من يأمل أن يعودوا لصوابهم، كبقية من يستظلون بظل بلاد الحرمين وولاة أمره الذين اختارهم الله لرعاية مصالحها ومصالح ساكنيها، حيث لفت انتباهي أن من بينهم جنسيات غير سعودية ومع ذلك يتلقون الرعاية نفسها.

لا أعلم عن أي عان يتحدثون في وسم أطلقه عابثون فكريا عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟ ما يجب أن نكون عليه هو أخذ المعلومة من مصدرها، وليس من مجموعة ضالة لا تملك أدنى مستويات المصداقية.