البيئة لها تأثير على سلوك الفرد، والإنسان ابن بيئته، وسلوكياته نمت وترعرت وتغذت من أصوله المتجذرة فيها، واكتسب منها صفات انعكست على سلوكه في التعامل عموما، والكتابة على وجه الخصوص، لذا نجد أن هناك تباينا في أساليب الكتابة بين شخص وآخر حسب البيئة الناشئ فيها، فحدة اللفظ التي تقبل من كاتب نشأ في بيئة وعرة، قد ينظر إليها بتوجس إذا صدرت من كاتب نشأ في الأودية والسهول.

والقول بأن شخصية الفرد تتشكل من بيئته ليس بالضرورة ينعكس على ناتج الفرد، لأن من سنن الله جعل الحياة في المجتمع الواحد حياة تكامل لا تشابه، وإلا لاضطر من يسكن الجبل النزول للسهل والعكس.

والتكامل بين البشر والتوازن في الطبيعة سبب لاستمرار الحياة على الأرض وإعمارها، فالتوافق أو التشابه في العطاء لا يخدم إلا جانبا واحدا من جوانب الحياة.

ولكن بقدر ما هنالك من العادات الإيجابية كالترابط والتآزر المجتمعي، إلا أن الغلو فيها يحولها أحيانا إلى ظلم مجتمعات أخرى بدون وجه حق، والأدهى أننا أحيانا نعلم يقينا أن الآخرين على حق، ولكن استنصارنا لدائرتنا الضيقة يفرض علينا استحلال حق الآخرين في العيش معنا.

فكيف نستطيع التخلص من هذا السلوك السلبي دون أن نتعرض لسخط مجتمعنا؟ نحن نعلم أن هذا السخط قد فرض العزلة على كثير من أفراد المجتمع الفاعلين لوقوعهم بين سندان المبدأ القبلي ومطرقة القناعات الشخصية، فيتظاهرون بالسلبية تجاه الآخرين حتى لا يقعوا تحت طائل التصنيف الجائر من دائرتهم الضيقة.

ومن هنا تغيب المعلومة، وغياب المعلومة يفرض علينا التسليم بمبدأ البيروقراطية، فعندما نفكر في مشروع، ونضع حسابا للوقت، ندرس المشروع وفق استراتيجية معينة ونسقطه أثناء تنفيذه، ولا نستفيق إلا عند تعثر المشروع وتبدد الأحلام.

لذلك تعودنا حين نضع استراتيجية لعمل ما أن نقطعها قبل تحقيق الهدف فتفشل ريحنا ونصاب بالإحباط، ثم ننسى سبب الفشل لتغليبنا المبدأ على بلوغ الهدف ونعود من الصفر.. وهكذا..!

فهل فينا من يمتلك الشجاعة ويبدأ بالتمرد على المفاهيم الخاطئة ويغيرها بمفاهيم جديدة تفرض نتائجها التسليم بها؟!