تقلص البنفسج.. حكايات عن كابوس الخجل
السبت / 18 / رجب / 1438 هـ - 19:00 - السبت 15 أبريل 2017 19:00
نجاحنا في الحياة يعتمد على أمور كثيرة، لعل من أهمها قدرتنا على التواصل الاجتماعي مع الآخرين، لذلك فإن الخجل المبالغ به يمكن أن يشكل أحيانا عائقا أمام تطورنا الوظيفي والاجتماعي. ومع ذلك، فإن الخجل صفة شائعة بين كثير من الناس
نحن نشعر بالإحراج في بعض المواقف وأحيانا نعجز في التعبير عن أنفسنا أمام المجموعات التي تكون خارج الدائرة المباشرة لأصدقائنا ومعارفنا، وربما يتدفق الدم إلى وجهنا عندما نصبح مركز اهتمام مفاجئ دون رغبتنا.
الكاتب جو موران يعد نفسه شخصا خجولا، بالرغم من أنه أستاذ في جامعة جون مورس في ليفربول، وهي مهنة تتطلب التعامل المباشر مع مجموعات متجددة من الطلاب، إلا أنه لا يستطيع أن يجري اتصالا هاتفيا مع معظم الناس قبل أن يكتب على ورقة ما يريد قوله عندما يرد عليه الشخص الذي يتصل به.
ويحتفظ جو موران بدفتر ملاحظات للأشياء التي يمكن أن يقولها للآخرين في حال انتهى الكلام الذي يفترض أن يقوله لهم.
وفي الحفلات الاجتماعية، يرسم موران على وجهه ابتسامة مؤدبة تشعر الآخرين أنه سعيد بما يجري حوله، حتى لو لم يكن كذلك تفاديا للإحراج.
في كتابه «تقلص البنفسج» الصادر عن بروفايل بوكس، 2016 يناقش موران أهمية الخجل في حياتنا وفي تاريخنا، ويرد في هذا الإطار على مقولة أن الذين لا يشعرون بالخجل -أو لا يسيطرون على خجلهم- هم الأكثر نجاحا وأهمية في الحياة.
يقول موران «أريد أن أرى إذا كنت أستطيع الكتابة عن خجلي بشكل غير مباشر من خلال الاختباء وراء درع بشري من الناس الذين هم أكثر خجلا مني».
وسط عزلة
يروي موران بعض الأمثلة من التاريخ عن بعض الأشخاص الخجولين.
في عام 1834، سافر رجل إنجليزي اسمه الكساندر كينجليك، وكان معروفا بالخجل والشجاعة في آن معا إلى الشرق الأوسط، وبدأ رحلة صعبة استمرت ثمانية أيام في صحراء سيناء ومعه حاشية صغيرة من الخدم والأدلاء.
على مدى أيام عدة، ركب كينجليد ورفاقه الجمال خلال الكثبان الرملية والوديان دون أن يلتقوا بأحد، ثم في يوم من الأيام لاحظوا بقعة مضيئة في الأفق، كان هناك ثلاثة جمال تقترب منهم، اثنان منها عليها أشخاص.
في النهاية رأى موران رجلا إنجليزيا ثريا يرتدي ملابس الصيد ومعه بعض الخدم.
ومع اقترابهم، بدأ كينجبليك يشعر بالخجل واكتشف أنه لا يملك الرغبة في التوقف والتحدث مع تلك المجموعة وسط العزلة الواسعة التي كانت تلف الجميع.
ولاحظ كينجبليك أن ابن بلده الإنجليزي كانت لديه نفس المشاعر أيضا، لذلك، اكتفى الاثنان بتبادل التحية عن طريق لمس طرف القبعة واستمر كل منهما في طريقه وكأنهما كانا وسط شارع مزدحم بالمارة وسط المدينة.
ومع أن الإنجليز معروفون بتحفظهم وعدم حبهم للاختلاط مع الآخرين، إلا أن هذه القصة تعد مثالا على «خجل إنجليزي» نموذجي.
في نهاية القرن الثامن عشر، كان التحفظ الإنجليزي يعد «مزيجا غريبا من الخجل وانعدام الأمن والغرور».
دوق جزيرة بورتلاند الإنجليزية ورث أراضي شاسعة في مقاطعة نوتنجهام وبنى شبكة من الأنفاق طولها نحو 15 ميلا لعزل نفسه عن العالم وأمر الخدم بأن يتجاهلوا وجوده و»يمروا بجانبه وكأنه شجرة».
وبنى الدوق أكبر صالة احتفالات تحت الأرض في إنجلترا، حيث كانت تتسع لنحو 2.000 شخص، يمكن إنزالهم إلى الصالة على دفعات من 20 شخصا في كل مرة بواسطة رافعة هيدروليكية، لكنه لم يستخدم تلك الصالة مطلقا لأنه كان خجولا لدرجة منعته من إقامة أي حفلة هناك.
الشاعر ساسون
يتحدث الكتاب أيضا عن الطبيب النفسي الإنجليزي وليام ريفرز (1864-1922) الذي كان يعالج الشاعر الإنجليزي الشهير سيجفريد ساسون (1886-1967) من صدمة نفسية أصيب بها بسبب تعرضه للقذائف في الحرب العالمية الأولى.
يقول الدكتور ريفز عن الشاعر ساسون «إن خجله ولد عنده هدوءا ومزاجا طيبا لا ينساه كل من يعرفه، حتى بعد فترة طويلة من وفاته».
واستطاع الدكتور ريفز أن يقنع ساسون الذي كان يعاني من عدم ثقته بنفسه أن «الخجل لا يجب أن يكون بالضرورة نقطة ضعف، بل يمكن أن يكون ميزة إيجابية».
الروائية الإنجليزية إليزابيث تايلور كانت تجلس وحيدة في المقهى القريب من بيتها وتستمع إلى الناس من بعد.
بين الحين والآخر، كانت تلتقي بالكاتبة آيفي كومبتون على الغداء وكانت تطلب من سائق سيارة الأجرة أن ينزلها قبل شوارع عدة من المطعم حتى لا تصل في وقت مبكر.
كابوس مخيف
لكن البريطانيين ليسوا الوحيدين الذين يعانون من الخجل.
الكاتب الأمريكي جاريسون كيلور كان يخجل أن يقول إنه أصيب بجلطة دماغية.
والكاتب وليام شون، رئيس تحرير مجلة نيو يوركر عمل في المجلة مدة 54 سنة ولم يسمح بظهور اسمه فيها ولو مرة واحدة. أما الروائية الفنلندية توفي جانسون فكانت تنتقل من جزيرة صغيرة إلى جزيرة أصغر لتجنب الناس.
هذا الكتاب جميل ومثير للاهتمام ويحوي معلومات غير عادية. يبين جو موران كيف أن الخجل يمكن أن يتمثل بطرق عدة. بالنسبة لكثير من الناس يمكن أن يكون الخجل كابوسا مخيفا، وهم يستخدمون طرقا واستراتيجيات مختلفة للتغطية على خجلهم.
المثال الذي يعطيه حول الطريقة التي يحاول بها هو التغطية على خجله في الحفلات ذكية وبارعة.
الكتاب سهل القراءة وممتع في نفس الوقت.
جو موران
- أستاذ في في اللغة الإنجليزية وتاريخ الثقافة في جامعة جون مورز في ليفربول
- يكتب موران بشكل منتظم في صحيفة الجارديان البريطانية وصحف أخرى
- حصل على جائزة سامويل جونسون عن كتابه «على الطرق»، كما أثنى النقاد على كتبه الأخرى