صحفي يشكر التأخير
السبت / 18 / رجب / 1438 هـ - 19:00 - السبت 15 أبريل 2017 19:00
ليس غريبا أن الخوف والقلق أصبحا من أكثر المشاعر سيطرة على الناس، حيث إن العولمة والمناخ والتكنولوجيا أكبر ثلاث قوى على الأرض تتغير بسرعة فائقة وتتسارع في وقت واحد، ونتيجة لذلك فإن العديد من جوانب حياتنا وأعمالنا تحتاج إلى إعادة تخطيط بشكل دائم ومستمر.
وإن التوقف في مثل هذا الوقت للتفكير والتأمل بدلا من الذعر والقلق لا يعد رفاهية، بل هو ضرورة، حتى تستطيع أن تفكر بعمق وتعود للانخراط مرة أخرى في العالم من حولك ولكن بشكل أفضل.
كتب طوماس فريدمان الصحافي الأمريكي الحائز على جائزة البوليتزر ثلاث مرات، مقالة في الجارديان عن المنافع التي قد يحملها لنا التأخر عن المواعيد في بعض الأحيان، حيث قال إنه يلتقي بأصدقائه بانتظام ويجري حوارات مع مسؤولين ومحللين ودبلوماسيين على الإفطار، فهذه وسيلته لتعلم المزيد خلال اليوم وإلا يهدر وجبة الإفطار بتناولها بمفرده، إلا أنه مرة كل فترة، وبسبب الزحام ووسائل المواصلات، يصل ضيوفه متأخرين 10 أو 15 بل وحتى 20 دقيقة، يصلون محرجين ويقدمون أعذارا من نوعية «المنبه لم يعمل» أو «ابني مريض».
في إحدى تلك المناسبات، أدرك أنه لا يكترث تماما بتأخر ضيوفه، لذلك رد عليهم «لا داعي للاعتذار. في الواقع، شكرا لك على تأخرك».
كتب فريدمان أنه يشرح الأمر لضيوفه على أنه قضى بعض الوقت مع نفسه بسبب تأخرهم ووجد وقتا للجلوس والتأمل ومراقبة الناس، والانتهاء من أفكار كانت تراوده مع نفسه لذا لا حاجة للاعتذار، بل على العكس، «شكرا على تأخرك».
في كتابه الملهم «يوم السبت»، يلاحظ واين مولر كيف أن الناس يقولون له «نحن مشغولون».
يقول مولر «نقول هذا لبعضنا البعض دون أدنى فخر وكأن التعب جائزة لا يجب أن نتشاركها مع الأهل والأصدقاء، وكأننا يجب أن نؤدي التزاماتنا دون لحظة واحدة لالتقاط الأنفاس، وقد أصبح هذا نموذجا للحياة الناجحة».
وكما يوضح الكاتب ليون ويزلتيير، فإن العاملين في مجال التكنولوجيا يريدون منا أن نعتقد أن الصبر والتمهل أصبحا عادة لأننا في الماضي «لم يكن لدينا بديل»، فكان علينا الانتظار مدة أطول لإنجاز الأمور.
«ولذا، بما أننا قد جعلنا الانتظار أمرا مهجورا من الناحية العملية، فإن تصرفاتهم تقول: من يحتاج الصبر الآن؟ لكن القدماء آمنوا بأن الصبر ليس غيابا للسرعة، بل مساحة للتفكير والتأمل ولهذا أفضل تعلم التمهل».
لذلك في المرة القادمة التي يأتي ضيوفك متأخرين قل له: «شكرا على تأخركم» لأنهم منحوك وقتا للجلوس وحدك والاسترخاء والتفكير وبدلا من أن يصوغوا لك الأعذار سيكونون أكثر ارتياحا.
وكما أن التكنولوجيا الآن تجبرك على أن تسرع من مستوى حياتك حيث إنه في الماضي لم يكن أمامك خيار غير الانتظار والصبر فلم يكن هناك طريقة لتسريع الأمور، ولكن على العكس فإن الصبر والتأني لا يفسد الأمور بقدر ما يعطيك وقتا للتفكير والإنجاز بشكل أفضل.