الرأي

الملحقيات الثقافية.. مرة أخرى

قبل الولوج إلى تفاصيل هذا المقال أود أن أشيد بتفاعل سعادة الدكتور جاسر الحربش -وكيل وزارة التعليم لشؤون البعثات والمشرف على الملحقيات الثقافية- مع صحيفة مكة بـ «منشن» إلى صفحتها في (تويتر) معلقا على المقال الذي نشره كاتب هذه السطور قبل أسبوعين بعنوان «الملحقيات الثقافية.. رؤية جديدة». وفي الوقت ذاته أود التأكيد على أن الباعث على كتابة المقال الذي بين يديكم الآن هو العنوان الجذاب لملتقى الملحقين الثقافيين الثامن الذي رعاه معالي وزير التعليم تحت عنوان «دور الملحقيات الثقافية في تعزيز مكانة المملكة دوليا»، بحضور الملحقين الثقافيين السعوديين في العالم، ولن أخفي إعجابي بهذا العنوان الوطني وحلمي بأن يتحقق على أرض الواقع. قبل أربع سنوات كتبت مقالة بمناسبة الاجتماع السادس للملحقين الثقافيين أوضحت فيها رؤيتي الخاصة للدور الحيوي للملحقيات الثقافية في إبراز المكانة الحضارية للمملكة على المستوى الدولي، كما أوضحت في تلك المقالة -بشيء من القسوة- الدور الثقافي السلبي والخامل لبعض الملحقيات، ومنها على سبيل المثال الملحقية الثقافية في الهند. لكن الأمور الآن تتجه إلى الأفضل بحسب الظاهر لنا في حماسة وزارة التعليم لوضع بصمتها الجديدة في عمل الملحقيات الثقافية السعودية بما يتوافق ويعزز «رؤية المملكة 2030»، ولا سيما أن الاهتمام بالجانب التعليمي يفترض ألا يطغى على الجانب الثقافي، على اعتبار أن التعليم والثقافة كفتا ميزان متعادلتان، يجب ألا يختل وزن واحدة منهما عن الأخرى. لكن مع الأسف، يوحي الواقع بأن ثمة رجوحا لكفة التعليم على حساب الثقافة، الأمر الذي لا يسهم بإظهار المكانة الدولية للمملكة، ولا يتيح الفرصة للملحقيات أن (تصنع) محتواها الثقافي الخاص الذي يجسد دور المملكة الحضاري وأهميتها الثقافية. وكنت قبل سنوات عدة قدمت مقترحا بأن يكون التعليم والثقافة عينين لرأس واحدة، وذلك بأن يتولى الملحق الثقافي الاهتمام بالشؤون الثقافية، بينما يتولى نائب الملحق الشؤون التعليمية الروتينية ومتابعة الطلاب المبتعثين ويدعم هذا الاقتراح تفرغ الملحقين الثقافيين لتقديم العمل الثقافي السعودي المميز وإبراز صورة ومكانة المملكة، لأن الفعل الثقافي المفترض بالنسبة للملحقيات هو بمثابة منجم ذهب لم يكتشف حتى الآن، رغم الجهود الفردية المتفرقة حياله. وأشير هنا إلى أهمية الفعل الثقافي في إدارة واحتواء «الأزمات» وتقريب وجهات النظر بين المجتمعات والحكومات، لأن الثقافة أشبه بلغة يفهمها الجميع بغض النظر عن «اللكنة» التي تقال بها، لأنها تهتم بالعناصر الإنسانية المشتركة. وعلى هذا الأساس، فإن الفعل المطلوب من الملحقيات الثقافية لا يتطلب الكثير من المال ولا الكثير من الجهد، بقدر ما يتطلب الإدراك العميق للثقافة من جهة والتواصلية والتفاعلية الناجحة من جهة أخرى، لأن الشعوب تلتفت إلى ما يجعلها تشعر بالإعجاب. أكتب هذه الكلمات وأنا أفكر بدول عربية وإسلامية وعالمية ذات ثراء ثقافي كبير وهي حاضرة لدينا باستمرار، وفي مقدمتها وأقربها إلينا جمهورية مصر العربية التي تستحق أن يكون فيها الفعل الثقافي على قدر أهمية المرحلة. والذي أتمناه أن يكون الملتقى الثامن للملحقين الثقافيين قد أفاد من عنوانه الجذاب، وأعد القارئ العزيز بأن هذا آخر مقال أكتبه عن الملحقيات، مع ثقة وأمل كبيرين بأبناء هذا الوطن الحريصين جدا على أن يرفرف «الأخضر» بكل اعتزاز وشموخ في كل الأرجاء.