الرأي

القيصر

القيصر القادم من الباب الخلفي للسياسات الدولية والعوالم السرية للاستخبارات، الذي يهوى رياضة الدفاع عن النفس، ولد ونشأ في سانت بطرسبرج (لينينجراد) لأسرة متوسطة الحال، وكان والده جنديا في الجيش عاش ويلات الحرب العالمية الأولى، وكان ابنه في المدرسة يثير غضب مدرس التربية البدنية، وفي المرحلة الثانوية من دراسته كانت تتنازعه ثلاث رغبات في العمل، إما بحارا أو رائد فضاء أو عنصر استخبارات في جهاز أمن الدولة، وبعد أن تخرج في كلية الحقوق منتصف السبعينات، التحق بالمديرية الرئيسية للاستخبارات، وعمل في فرعها في سانت بطرسبرج لمدة أربعة أعوام، ثم تلقى تدريبا في «معهد الراية الحمراء» في موسكو، ونظرا لإجادته اللغتين الألمانية والإنجليزية، حظي بالترشح للعمل في ألمانيا في المجال الاستخباري، وتشير بعض الصحف التركية إلى عمله جاسوسا في تركيا عبر شركة روسية في سبعينات القرن الماضي. حظي بدعم الرئيس الروسي - الراحل - بوريس يلتسين له ليتولى رئاسة مجلس الوزراء وهو المنصب الذي مهد له زمام القيادة السياسية للاتحاد الروسي، وقد وضع نصب عينيه هدفا مهما وهو حماية الاتحاد من التفكك، بعد ما يقارب من عقد على انهيار المنظومة الاشتراكية في أوروبا الشرقية. اليوم يرى فلاديمير بوتين نفسه زعيما أثبت وجوده وأعاد وجود روسيا لاعبا رئيسيا على الساحة السياسية الدولية، لا تخفي طموحاتها التوسعية بذرائع مختلفة، كالحرب على الإرهاب في بعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وحماية الروس في أوكرانيا، وحماية نظام الأسد في سورية، ودعم التسليح النووي الإيراني، بالإضافة لمد النفوذ مرة أخرى إلى دول أمريكا اللاتينية التي تكن بعضها العداء التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية منذ انتصار الاشتراكية فيها منتصف القرن الماضي. تريد روسيا حماية مصالحها الاستراتيجية وتوسيع نطاقها، ويريد بوتين إعادة أمجاد روسيا إلى ما هو أبعد من المرحلة السوفيتية، وهي الحقبة القيصرية التي تبوأت فيها روسيا منزلة عالمية، وكانت طرفا أساسيا خرجت منه لسببين مهمين تاريخيا، هما نتائج معاهدة «سايكس - بيكو» من جهة و«الثورة البلشفية» من جهة أخرى، ولذا يدافع بوتين بقوة اليوم عن وجود أنظمة باعتبارها موطئ قدم لروسيا خارج حدودها الاتحادية. غير أن أكبر نصرين تحققا لبوتين خلال عامين هما قدرته على منع التدخل العسكري الأمريكي في سوريا، والآخر هو قدرته على تحقيق اختراق استخباراتي كبير أفضى إلى جدل كبير بين أهم مؤسستين وهما (CIA) و(FBI)، مما أدى إلى شكوك حول دور الروس بترجيح الكفة للطرف الذي ترغبه روسيا في الانتخابات، وبغض النظر عن صحة ذلك من عدمه، فإن «اتهام» الروس بالتدخل في الانتخابات الأمريكية هو اعتراف بنجاح استخباراتي رفيع المستوى، وهذه السابقة تعيد إلى الأذهان الدور الأمريكي السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي في إسقاط الاتحاد السوفيتي ولكن بصورة معكوسة هذه المرة. قد لا يستطيع القيصر الروسي الجديد فلاديمير بوتين الخروج عن نمط شخصية رجل الاستخبارات الذكي، ففي أفعاله وأقواله يتضح جزء من هذه الشخصية، ومن ذلك لقاؤه بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عام 2007 الذي دخلت فيه كلبته المحبوبة (كوني) إلى القاعة الرسمية، وهي من فصيلة «لابرادور» وذلك أثناء اللقاء الرئاسي، ولم تستبعد بعض التحليلات حينها أن الأمر كان متعمدا بعد معلومة استخباراتية تفيد بأن المستشارة الألمانية لديها حالة رعب منذ طفولتها من الكلاب السوداء، وإن كان بوتين قد اعتذر بعدها، مؤكدا أنه لم يقصد إخافتها. ولا يتورع القيصر عن التلفظ على الصحفيين ووصفهم بصفات غريبة، فقد وصف ذات مرة صحفيا روسيا معاقا عانى من سكتتين دماغيتين بأنه «مخمور» نتيجة بطئه في الكلام، كما قام أيضا بتقريع صحفي فرنسي انتقد الحرب في الشيشان، فرد عليه بالقول: إذا أردت أن تكون إسلاميا متطرفا ويتم ختانك فتعال إلى موسكو»!