تفاعل

ما أكذبني!

فارس محمد عمر
قطعة ضئيلة تبادر بتأكيد حادثة سمعت عنها، فإن سئلت فيها، هبت قطعة أعظم تنخس الأولى لترد متلجلجة بنسياني التفاصيل! أنسب لرجل أمرا لم أشهده، فيسمعني ويتعجب هو أو من شهده، فيفزع عقلي مستدركا الفلتة ليقول اللسان جادا مازحا معا إن الوجوه والأسماء اختلطت علي! أتحدث عن مؤلفات وأحكام وأخبار حديث الموقن الحافظ، ثم أفتضح، فأستعجل أقيل عثرتي قائلا إني قرأت من زمن بعيد! ألقي كلاما لجذب جلسائي هو في حقيقته افتراء!

الكذبة خطوة من حرف جبل الأمانة، تسلم صاحبها لأخرى فيظل يهوي متعثرا! إن مضيت على تلك الحال لا أتراجع، تحول يأس وعجز من معي إلى ابتسامات لأعذاري الملفقة عن أحاديثي الملفقة، وأرتاح لتوالي الابتسامات، حتى آلف أقوالي المنقولة كأنني حاضرها، وأعتاد أقوالي الناقصة والمزيدة والمختلقة وأصدقها في نفسي، يدعمها ضحك وتغافل وتناسي السامعين وترددهم في التمحيص وتجاهلهم التصحيح، ويزيدني اعتدادي بالأعين المصوبة نحوي إمعانا في الشطط وتأكيدا لرواياتي بنبرتي وقسماتي ويدي، وأن الذي يصدر مني لا يقبل شكا ولا جدلا، فأرى حياتي سليمة أؤدي فيها عباداتي راضيا عنها وعني، وأنا في المنطق والخلق والشرع كذاب، بصيغة المبالغة التي تعني احترافي الكذب! لكن كلمة «كذب» تنمسح من القواميس، إذ يستقبلني ذوو القربى والأصدقاء استقبالهم لحكيم ويصغون إلي إصغاءهم لعالم!

أطمئن لصدقي بدلائل قبول الناس واستشهادهم بأقوالي وتصرفاتي، وأسن سنة أغرق فيها معي من يراني محبوبا مقدما في كل بيت ومحفل فيقتدي بي. وأخادن من يوافقونني في الداء، ننكر ونعادي من لا يداهن ولا يبالغ، ونحسب أننا نحسن صنعا. اللهم ارزقنا محاسبة النفس وتوحيدك.