هيئة الطيران المدني وتجربة الخصخصة الإدارية
الجمعة / 25 / جمادى الآخرة / 1438 هـ - 19:00 - الجمعة 24 مارس 2017 19:00
إن مفهوم خصخصة القطاع العام يحتاج إلى وقفات وتحليلات، وهو برنامج، وفي كثير من الأحيان يعد مرحلة يجب الوصول إليها، وسواء كانت الخصخصة تعني البيع الكامل لمؤسسات الدولة أو بيع الحصة الأكبر ففي نهاية الأمر ما يحدد نجاح القرار هو النتائج المتحققة، سواء بتعظيم الإيرادات أو تخفيض النفقات أو زيادة مستوى الخدمات، وإشراك القطاع الخاص في مؤسسات تملكها الدولة، بحيث تمكنها حصتها من الإدارة الكاملة والتعامل مع هذه المؤسسة كأي شركة خاصة، له ما له من إيجابيات وله أيضا سلبيات لكنها عادة تكون سلبيات مرتبطة بمفاهيم وطنية أو مجتمعية غير مرتبطة بالمفاهيم الاقتصادية والربحية.
لكن ما أعنيه اليوم في مقالتي هو مفهوم الخصخصة الإدارية، وأقصد بها أن يتم تسليم إدارة مؤسسات عامة تملكها الدولة خدماتية إلى مجموعة من الإداريين العاملين في القطاع الخاص من ذوي الكفاءة والخبرة، ولا أشمل معهم رجال الأعمال الذين يهتمون فقط بمفهوم الخصخصة بشكل عام شامل، لكني أعني فقط الرؤساء التنفيذين والمديرين العامين الذين يتسلمون شركات ومؤسسات خاصة ويحققون معها نجاحات مبهرة، هؤلاء هم من أعنيهم بمفهوم الخصخصة الإدارية، إذ على القطاع الحكومي أن يستقطبهم ويوفر لهم الإمكانات والقدرات اللازمة لتوليهم إدارة مؤسسات وشركات عامة ليحققوا بها النجاح ويتقدموا بها ويطوروها.
إن تجربة هيئة الطيران المدني على هذا الأمر خير مثال ودليل، فخدمة الصالات التنفيذية للمسافرين في المطار والتي كانت أساسا مدارة من قبل هيئة الطيران، ثم تم تسليمها لإحدى الشركات الخاصة، والتي للأسف رفعت الأسعار مع تدني مستوى الخدمات، وهنا الأمر ليس خصخصة وإنما بنظام التضمين أو الشراكة الربحية، ولأن هذه الشركة الخاصة فشلت فشلا ذريعا في تحقيق أهدافها أعادت الهيئة الإدارة الكلية لهذه الصالات مع تغير في الخطط، حيث وفرت إدارة بنظام الخصخصة الإدارية، إذ بإشراف معالي الرئيس وهو من القطاع الخاص سلمت إدارة هذه الصالات لهيكل إداري متمرس وخبرته معروفة وناجحة، وقد لمسنا الفرق على أرض الواقع وبسرعة أيضا، إذ انخفضت الأسعار مقابل ارتفاع مستوى الخدمات المقدم، مما زاد من مستخدمي وزبائن هذه الصالات بشكل ملحوظ وجعل من منهجية الإدارة الجديدة منهجية ناجحة ومتميزة.
ولو سحبنا مخطط هيئة الطيران المدني على عدد من مؤسسات الدولة العامة الخدمية، وقمنا بعملية الخصخصة الإدارية باستقطاب رجالات من القطاع الخاص التنفيذين، وعملنا على تهيئة الجو العام لهم من تشريعات وأنظمة يمنحون فيها مساحات كاملة من الحرية دون وجود تشريعات تمثل لهم شدا عكسيا، لوجدنا أننا نتقدم نحو الأمام ونتطور بشكل أسرع ونرتقي بمستوى الخدمات مع انخفاض التكاليف، قد تكون رواتب هؤلاء التنفيذيين عالية وهذا شيء طبيعي لأننا نستقطبهم لتحقيق الأهداف، ولكن بأي حال لن تكون أعلى من قيمة ما نتكبده في القطاع العام من الدراسات التي تعد للتطوير وتكاليف اللجان المشكلة والخطط الخماسية والعشرية والألفية.
الأمر يحتاج إلى تشكيل لجنة خاصة تعمل على استقطاب هؤلاء الكوكبة من رجالات الوطن العاملين في القطاع الخاص، وقبل ذلك تحديد عدد من مؤسسات الدولة العامة المراد خصخصتها إداريا كما فعلت هيئة الطيران المدني، ثم نبدأ بعملية الاستقطاب والاختيار، وسنرى ونشاهد كيف يتم بداية إعداد العروض التقديمية لهؤلاء التنفيذيين ومستوى مهنيتهم وحرفيتهم، وبالتأكيد لن يقدموا على أمر إلا وهم يضمنون وبنسبة عالية نجاحه، لأنهم فعليا يغامرون بمراكزهم الحالية.
مجرد فكرة واقتراح أتمنى أن يؤخذ به لخدمة أفضل ومستوى قطاع عام أرقى.