الرأي

أوسكار أفضل شركة تقنية يذهب إلى...

في الشهر الماضي من هذا العام -وكما هي العادة كل عام- أقيم حفل توزيع جوائز الأوسكار بحضور العديد من نجوم الأفلام اللامعين والصاعدين والواعدين والعشرات من منسوبي أضخم استوديوهات الإنتاج بهوليوود في مسرح دولبي الواقع في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية. قائمة ضيوف الحفل لهذا العام شهدت ضيفا جديدا لم يكن ليتصور أي منا سببا لوجود اسمه في القائمة قبل حوالي 7 سنوات، كان ضمن الحضور لحفل هذا العام الرئيس التنفيذي لشركة Amazon جيف بيزوس. الكثير منا يعرف موقع Amazon كمنصة التسوق الرقمية الأولى عالميا والتي أسسها جيف بيزوس قبل حوالي 22 عاما، ولكن ما الذي جاء به إلى حفل جوائز الأوسكار لهذا العام؟ ما الذي أجلسه بين أبرز منتجي السينما عالميا؟ قد لا يعلم البعض منكم أن شركة Amazon حصدت 3 جوائز أوسكار لقاء فيلمين قامت بإنتاجهما عبر مجموعة Amazon Studios والتي تم تأسيسها في 2010م بهدف تطوير وإنتاج وتوزيع مسلسلات وأفلام وقصص مصورة لعرضها عبر منصة Amazon Video والتي تعرض مختلف أنواع المحتوى المرئي؛ الفيلمان هما «Manchester by the Sea» -الذي فاز بجائزتي أفضل ممثل في دور رئيسي وأفضل نص أصلي- من كتابة وإخراج كينيث لونيرجان وبطولة كيسي آفليك، وفيلم «The Salesman» -الذي فاز بجائزة أفضل فيلم أجنبي- من كتابة وإخراج المخرج الإيراني أصغر فرهادي الذي لم يحضر الحفل وقاطعه اعتراضا على قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الأخيرة التي منعت العديد من مواطني الدول ذات الأغلبية المسلمة من دخول الولايات المتحدة. أثناء إعلان الفائز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، قامت سيدة الأعمال الأمريكية من أصل إيراني أنوشه أنصاري بتسلم الجائزة بالنيابة عن أصغر فرهادي وإلقاء كلمة من كتابته وصل صداها لأكثر من 225 دولة حول العالم عرضت بثا لحفل الأوسكار. ولكن ما سر توجه أمازون لإنتاج هذين الفيلمين؟ هل تحذو حذوها شركات أخرى تملك منصات رقمية لعرض المحتوى المرئي؟ مع توسع نطاق شبكة الانترنت عالميا، كان من البديهي تطور ظاهرة مشاركة الملفات الرقمية عبرها، والتي تطورت في أوائل القرن الواحد والعشرين عن طريق بعض البرامج التي تستخدم تقنية Peer-to-Peer لتنظيم نقل الملفات بين الأجهزة المختلفة والمرتبطة بالانترنت. ظهرت بعدها ملفات الـ BitTorrent في عام 2001م لتصبح الخيار المفضل للذين يشاركون بنسخ رقمية عالية الدقة من أحدث الأفلام والمسلسلات عبر الشبكة العنكبوتية؛ هذه النسخ غير قانونية على الأغلب لأسباب تتعلق بحقوق الملكية الفكرية لهذه الأفلام والمسلسلات، لذا تمت تسمية عملية مشاركة هذه النسخ بـ «القرصنة الرقمية» أو «Digital Piracy.» بالرغم من وجود جهود قانونية وتوعوية جبارة قامت بالحد من هذه الظاهرة بشكل كبير، إلا أن ذلك لم يلغ فرص مشاهدة أحدث المسلسلات والأفلام للراغبين عبر الانترنت، بل خلقت أرضا خصبة لبدائل قانونية لعرض الأفلام والمسلسلات مقابل أسعار بسيطة -خصوصا مع تزايد سرعات الاتصال بالانترنت عالميا- كما حدث مع شركة Apple والتي طورت جهازا يعرض المحتوى المرئي على أجهزة التلفاز مباشرة وأطلقت عليه مسمى Apple TV. لحقت بشركة Apple عدة شركات طورت أجهزة لبث المحتوى الرقمي مباشرة على أجهزة التلفاز مثل جهاز ChromeCast من شركة Google، بل وقامت الشركات المصنعة لأجهزة التلفاز ذاتها -مثل شركة Samsung- باستحداث أجهزة تلفاز ذكية «Smart TV» يمكنها الاتصال بشبكة الانترنت مباشرة وعرض المحتوى بالتعاون مع منصات رقمية مثل Netflix وHulu وYouTube وغيرها، بل وحتى بعض المنصات الرقمية في الشرق الأوسط والعالم العربي مثل منصة «شاهد» التابعة لمجموعة قنوات MBC التي أطلقت المنصة على مختلف الأجهزة الذكية. ولكن كيف أثرت هذه البدائل الرقمية القانونية على سوق المحتوى المرئي عالميا؟ أولى النتائج كانت توجه الشركات التقنية لتقديم عروض لشراء بعض استوديوهات الإنتاج الكبيرة، كما حدث مع شركة AT&T التي استحوذت على استوديوهات Warner Bros والشركة المالكة لها Time Warner مقابل 109 مليارات دولار أمريكي، وهناك مفاوضات الآن بين شركة Apple وعدة استوديوهات إنتاج ضخمة للقيام بصفقة مماثلة. من النتائج كذلك تصريح العديد من استوديوهات الإنتاج في هوليوود -ومن ضمنها 21st Century Fox وWarner Bros وUniversal Pictures- بأنها تنوي عرض أحدث أفلامها وأعمالها على مختلف المنصات الرقمية بأسعار أعلى بقليل من السابق مع تقليص فارق المدة بين صدورها في صالات السينما وصدورها رقميا إلى 2-4 أسابيع. ولكن لماذا هذا التوجه؟ هل تدعم الأرقام والإحصائيات هذه الاستراتيجية؟ نعم، جميع الإحصائيات تشير إلى أن ما حدث خطوة ذكية جدا، فقد انخفضت مبيعات أقراص الـ DVD وBlu-Ray للأفلام والمسلسلات في الولايات المتحدة بنسبة 12%‏ في 2015م وبنسبة 7%‏ في 2016م، بينما ارتفعت المبيعات الرقمية لها بنسبة 18%‏ في 2015م وبنسبة 8%‏ في 2016م، وهو مؤشر دقيق على ما يحدث في السوق العالمي. الإحصائيات تشير كذلك إلى مبيعات صالات السينما من التذاكر في الولايات المتحدة وصلت لأدنى مستوياتها منذ 20 عاما. يبدو كذلك أن جوائز الأوسكار التي حصدتها شركة Amazon ألهمت شركة Apple للبدء بإنتاج أعمال حصرية لها للمنافسة في الحفل القادم، فقد صرح المحلل الاقتصادي جين مانستر بأن الشركة تنوي الحصول على أول جائزة أوسكار لها خلال 5 سنوات، بل وسترفع الميزانية المرصودة لديها للأعمال الإنتاجية من أقل من 200 مليون دولار أمريكي إلى 5-7 مليارات دولار أمريكي خلال هذه الفترة. من الجدير بالذكر أن المحلل جين مانستر -الذي عمل سابقا في وول ستريت- تنبأ بنجاح شركة Apple وارتفاع أسهمها منذ عام 2004م، بل ونجح كذلك في التنبؤ بالعديد من التطورات في الأجهزة التي تنتجها الشركة منذ ذلك التاريخ. يبدو أن الشركات التقنية ستلتهم الإنتاجات العالمية الضخمة شيئا فشيئا، وربما تختفي فكرة صالات العرض السينمائية تماما قبل أن تصلنا في المملكة. منصة التسوق الرقمية أمازون: • تأسست في 1995. • أسسها جيف بيزوس. • حصدت 3 جوائز أوسكار لقاء فيلمين من إنتاجها. تأثير البدائل الرقمية على سوق المحتوى المرئي العالمي: • توجه الشركات التقنية لتقديم عروض لشراء بعض استوديوهات الإنتاج الكبيرة • العديد من استوديوهات الإنتاج في هوليوود تنوي عرض أحدث أفلامها وأعمالها على مختلف المنصات الرقمية بأسعار أعلى بقليل من السابق • مبيعات صالات السينما من التذاكر في الولايات المتحدة وصلت لأدنى مستوياتها منذ 20 عاما • شركة أبل تنوي الحصول على أول جائزة أوسكار لها خلال 5 سنوات