معرفة

أسئلة الكتابة الخمسة: فاطمة المحسن

تبدو وكأنها علاقة فريدة مع الكتابة تلك التي حكت عنها 'فاطمة المحسن'، فهي لا تبدو هاوية لممارستها فقط، ولا نشاطا يوميا يستلزم المواظبة عليه، ولا حتى طريقة للتعبير عما يكمن في داخلها وهو العلاقة الأشهر، ببساطة هي عملية انتظار لتحول المشاهد اليومية المليئة بالتفاصيل التي ربما لا ينتبه لها أحد لفرط عاديتها إلى كلمات، عملية تستلزم صبر المزارع على مزرعته. الكثير من التفاصيل والثمار قدمتها لنا هنا: ماذا تكتبين؟ ‏أنا حرة فالكتابة لم تعد هاجسي، هذه الحرية حديثة العهد أعطت فرصة لقيود الكتابة لتكون مفهومة ويسهل وصفها، وهذا ما جعلني أنتبه أخيرا للفرق الهائل بين الحالتين، فقد صرت ظلا يندس في العتمة، ولا يقلق من أن يبحث عنه رفيق إجباري في الصباح، وهي أشبه بالاشتقاق الذي غيبت أصله باحترافية. ‏لماذا تكتبين؟ ‏قد أكتب عن جدول توزيع المياه بقصد الكتابة عن نفسي، وتختلف نواياي في الكتابة في كل مرة لكن الأكيد أنها لم تكن يوما بدافع الفضول كما هو الحال عند حسن عبدالله الذي قال كاشفا عن هدفه بدقة 'هناك شيء تمسك به الحياة/ وتخفيه وراء ظهرها/ ولن أتوقف عن الكتابة/ حتى أعرف ما هو'. ‏لمن تكتبين؟ ‏الإقرار بأني أكتب لقراء مصنفين أمر ممنهج وواضح الأهداف، وما أفعله أبسط من ذلك كثيرا، أكتب لشخص شبحي يشبهني كثيرا ويصدقني عندما أبرر كسلي الكتابي بأنه تروّ وتأمل بغية الخروج بنص عظيم. ‏ متى تكتبين؟ اكتب بتمهل لأن ما أكتبه ثقيلا جدا ومشدود العصب، الكتابة عندي تشبه سيرا طويلا في غابات كثيفة من التعاطي مع الحياة، وعندما أقف لأستريح، ألتفت إلى الشجرة التي خلفي وأخبركم عنها بعد أن تمر صدمة حدث ما وبعد أخذي لنفس عميق بمقدار خطوتين تحديدا. لا أتصالح مع المفردات الاقتحامية الظافرة، وتكسرني عبارة مقتصدة المشاعر ومنشغلة بنفسها، عبارة قد تكون جعلت للأعشاب طموحا عظيما، أو من غسل الصحون حدثا دراميا. كيف تكتبين؟ ‏لكي تصبح كلمات، يجب على تلك الأفكار الوليدة الملتقطة من تفاصيل شاردة في لوحة بمكتب عمومي، أو ملامح عامل يفكر بالطقس السيئ، أو مشهد العداء عبر نافذة سيارة عائلية، أن تتحلى بالصبر والوقت اللازمين لبناء جذور سميكة في مخيلتي، عليها التحول لأشجار مجازية تليق سيقانها بحمل حرفة تجمع بين المجاز والحلم، بين الحكمة والتساؤل الغائم، ولطالما كان علي التحلي بالقلق البارد لتشذيب الصفرة العالقة بأغصان الكلمات، إذ يبدو مجازا زائدا هنا، أو كلمة صفراء هناك مثل الأغصان الميتة في جسد الكلمات، ولطالما كان الكاتب بستانيا صبورا يعتاش على نمو الحشائش في مخيلته، لقد تطلب مني الأمر، إضافة إلى الصبر، قدرا كبيرا من التروي أمام الشعرة المشدودة بين الحلم وساحته، بين الحكايات اليومية إذ تنتخب مجازا شعريا كل ليلة.